ما إن تلج جماعة المحبس المُتاخمة للحدود مع ولاية تندوف الجزائرية، حيث يتمركز انفصاليو جبهة البوليساريو، حتى تلتقط سير الجماعة القروية بخطى متسارعةٍ نحو ارتداء لباس مدينةٍ ببنية تحتية قويّة ومتوفرةٍ على كل الخدمات والمرافق العمومية التي تنشدها الساكنة؛ فمشاريع حيوية عديدة تتقدّم فيها الأشغال بوتيرة سريعة، واُخرى أوصلتها الذكرى التاسعة والأربعون للمسيرة الخضراء إلى بداية تلمس الطريق نحو الوجود.
الجماعة التي رُفعت بها اليوم راية انطلاق مشاريع مُهيكلة جديدة، بميزانية تتخطى ملايين الدرهم، تحوّلت وفق سُكانٍ عاشو فيها منذ كانت “خياماً متناثرة” إلى “ورش مفتوح للتنمية”، شأنها شأن جميع مناطق الصحراء؛ على نحوٍ يستجيب لتطلعات الساكنة رويداً رويداً، مشددين على بونٍ شاسع بين “حال المتمسكين بشجاعة مُناصرة الوحدة الترابية وحال الطرف الآخر على الحدود، المُصرّ على إطلاق استفزازات تُمثل صرخاتٍ يائسة لإثبات البقاء”.
والشهادات المُتطابقة التي استقتها هسبريس من عددٍ من صحراويي المحبس الذين حَجوا بقوة لحضور تدشينات المشاريع المُخلدة لذكرى المسيرة الخضراء، ولفعاليات الدورة الثالثة من المهرجان الوطني للمسيرة الخضراء المُحتفية بالحدث عينه، ذهبت إلى أن المنطقة تعيش اليوم “مسيرة جديدة عنوانها العريض التنمية”، مُصرين على أن “هذا التوصيف ليس مبالغة، بل هو مسند بأرقام الأوراش المفتوحة، والأخرى التي تخلّقت اليوم”.
ودشّن وفدَ مكون من كاتب الدولة المكلف بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، لحسن السعدي، ووالي جهة كلميم واد نون، محمد الناجم أبهاي، وعامل إقليم آسا الزاك، يوسف خير، ونائب رئيسة الجهة أحمد ادزيداز، أشغال التهيئة الحضرية للمحبس ضمن مشروع يشمل كذلك باقي جماعات إقليم أسا الزاك، بمساهمةٍ من وزارة الداخلية ووزارة إعداد التراب والوطني والتعمير والسكان وسياسة المدينة والمجلس الإقليمي، ومجالس الجماعات المعنية.
في هذا الصدد أعطيت الانطلاق الرسمية لأشغال تهيئة الإنارة العمومية للمحبس، بتكلفة فاقت 5 ملايين و480 ألف درهم، مع عشرة أشهر كمدة إنجاز متوقعة، وأخرى خاصة بتوسيع المساحات الخضراء بالجماعة بميزانية 16 مليونا و600 ألف درهم، يُتوقع أن يتم الانتهاء منها في غضون عشرة أشهر كذلك؛ هذا علاوةً على وضع الحجر الأساس لبناء فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة بميزانية فاقت ثلاثة ملايين درهم، وسقف 7 أشهر مدة الإنجاز، في خطوةٍ تستهدف نفض الغبار عن “التاريخ النضالي للحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير من أجل الحرية والاستقلال واستكمال الوحدة الترابية”.
“مسيرة جديدة”
حمدان الحسن، أحد شيوخ القبائل بمنطقة المحبس، وأحد قدماء أعضاء جيش التحرير، قال: “المحبس لم تكن قبل عقود تملك أدنى ملامح المدينة أو حتى القرية، لقد كانت مجرد خيامٍ مُتناثرة يقطنها شجعان لم تغرهم أوهام الانفصال، لكن هاهي اليوم تلحقها مقومات البنية التحتية للمدن الكبيرة رويداً رويداً بفضل السياسات التنموية المُسترشدة بتوجيهات الملك”.
وأضاف لحسن، وهو يتحدّث لهسبريس على هامش التدشينات: “شجاعة سكان المنطقة وتناقلهم مشاعر الوفاء للوطن السائرة في الدم من أجداد لأبناء وأحفاد، مهتدين بتطبيق أمر البيع لله، ما أهلهم لينعموا بهذه المشاريع التنموية التي تأبى إلا أن تُذكرني بأن مشاركتي في المسيرة الخضراء كانت أصوب قرار، ولو عاد بي الزمن مرة أخرى للوراء ودعيت إليها لاستجبت”.
“نحن أبناء هذه الأرض الحدودية، ننعم بالاستقرار التام الممزوج بمسيرة مظفرة جديدة من المشاريع التنموية ذات الأثر الإيجابي على الشباب”، يُشدد النعم أجغاغ، أحد ساكنة المنطقة وفاعليها الجمعويين، قبل أن يُردف بأن “التنمية التنمية الحقيقية بجماعة المحبس حاصلة ولا غبار عليها، والمواطنون يفتخرون وجد فرحين بهذه الدينامية التنموية التي تضخها الدولة في المنطقة”.
أجغاغ أورد، ناطقاً في حديثه لهسبريس بلسان أبناء المنطقة: “نقول لخصوم الوحدة الترابية إن المحبس له أهل أشداء يذودون عنه وقادرون على حمايته، ولن تهزهم مقدار ذرة الاستفزازات المتوالية التي تُترجم ضيقاً من مسيرة التنمية التي تشهدها المنطقة، المُصاحبة بتدهورٍ لأوضاع الانفصاليين وبوارٍ لطرحهم”.
“تعطش للمزيد وتيه الخصوم”
المشاريع التنموية المدشنة اليوم هي بالنسبة لأبيدار محمود، أحد ساكنة الجماعة ورئيسها سابقاً، هي “مواصلة لمسار بلوغ هذه الجماعة الفتية قمة التنمية، بعدما تكثفت بها في العقدين الأخيرين تحديداً الأوراش المفتوحة؛ وهي دينامية لا يحتكر الفضل فيها المنتخبون المحليون لوحدهم، بل هي ثمرة لجهود لا تنقطع من لدن قطاعات الدولة وتعاونٍ واسع من لدن الولاة والعمال الذين حلّوا بالمنطقة”.
أوضح أبيدار، وهو يتحدث لهسبريس من داخل خيمة المهرجان الوطني للمسيرة الخضراء: “تعبيد الطرق وتشييد مرافق عمومية واجتماعية وصحية ومدارس لا حصر لها جذب الآلاف من صحراويي الإقليم نحو الاستقرار في الجماعة”، مُستحضراً أن “عدد سكانها تطور بشكلٍ كبير، إذ قفز إلى 19 ألف شخص وفق نتائج الإحصاء الأخير، بعدما لم يكن يلامس الألف فرد قبل مدة ليست بالبعيدة جداً”.
“ما كانت ساكنة الجماعة التي أصبحت مدينة 100 في المائة تحلم أو تطمع بمسار التنمية التي بلغته”، يورد المتحدث عينه، الذي شدّد على أن “المنطقة باتت جاهزة، ولا ينقصها شيء؛ لكن حين تسأل المواطنين تجدهم متعطشين إلى المزيد من الأوراش التنموية”.
أبيدار تمسّك في حديثه لهسبريس بأن “الاستفزازات المتوالية التي تقدم عليها مليشيات البوليساريو المتمركزة 45 كيلومتراً من هنا لا تسمن ولا تغني من جوع؛ هي فقط محض محاولات يائسة لثبت الجبهة أنها مازالت حاضرة؛ بعدما تأكد أنها باتت لا شيء؛ فقد أتخمت بالهزاىم الدبلوماسية والمعنوية دون أن يتضح لها الأفق”.
“قادة الجبهة اليوم هم رهائن لدى الجزائريين يلعبون بهم كيفما شاؤوا فقط، ومازالو محصورين في مخيمات تندوف الجزائرية”، يتابع المصرح، مستدركاً: “لا ننسى أنهم أبناء عمومتنا تائهون وضائعون، ولذلك نوجه لهم نداءً من أجل الالتحاق بوطنهم والعودة له، ولنشترك حينئذ في الحكم الذاتي”.