لم يكن أحد من أنصار ريال مدريد يعتقد بأن الحديث عن ناديه بعد ستة أشهر فقط من تتويجه بطلاً لأوروبا للمرة الخامسة عشرة، سيتركز صوب أزمة كبيرة يعاني منها الفريق، على نحو يهدد موسمه كاملًا، لا سيما وأن الميرنغي المتوج بثنائية الدوري ودوري الأبطال، نجح خلال الميركاتو الصيفي في ضم النجم الفرنسي كيليان مبابي أو ما أطلق عليه اصطلاحًا (الجوهرة الناقصة في تاج الفريق للموسم الفائت).
ورغم أن البدايات في الموسم الحالي كانت تنذر بما هو آت، إلا أن عشرة أيام كانت كفيلة بأن تعلن حالة الطوارئ داخل أروقة النادي الملكي، الذي وجد نفسه متصدرًا لعناوين الصحف العالمية ولكن بشكلٍ سلبي.
مضت 15 عامًا منذ أن تلقى ريال مدريد هزيمتين متتاليتين في معقله سانتياغو برنابيو، مع تلقي ثلاثة أهداف أو أكثر في كلتا المباراتين.. ولعل القاسم المشترك في المناسبتين هو الخسارة في مباراة الكلاسيكو، إذ تعرض الريال لهزيمة ساحقة عام 2009 أمام برشلونة بقيادة المدرب بيب غوارديولا (2-6)، قبل أن يخسر بعدها بأيام أمام مايوركا (1-3).
الريال عاش سيناريو مشابهًا قبل أيام بخسارته أمام غريمه التقليدي برباعية نظيفة، ثم سقوطه المدوي أمام ميلان (1-3) ضمن الجولة الرابعة لدوري الأبطال، ما جعل الصحافة المدريدية تخرج بعنوان عريض لتقول: إن الموسم الحالي للميرنغي يسير من سيئ إلى أسوأ.
الأرقام لا تكذب
على الرغم من عدم امتلاكه مهاجمًا صريحًا في الموسم الفائت، واعتماده على إبداعات كل من البرازيلي فينيسيوس جونيور الذي سجل 24 هدفًا في مختلف المسابقات، والإنجليزي جود بيلينغهام الذي ساهم في 34 هدفًا بواقع (23 هدفًا و11 تمريرة حاسمة)، إلا أن ريال مدريد لم يعرف طعم الهزيمة سوى في مناسبتين خلال 55 مباراة خاضها في موسم 2023-24، في حين أنه تجرع مرارة السقوط ثلاث مرات حتى الآن في 16 مباراة لعبها في الموسم الحالي.
دفاعات الفريق استبيحت (9 مرات) في المباريات الثلاث الأخيرة، في حين أن الحصيلة تصل إلى 18 هدفًا في 16 مباراة عبر كافة المسابقات، وهي إحصائية تلخص حقيقة أزمة الفريق في هذا الموسم.
أخطاء لا تغتفر
ليس من عادة الإيطالي كارلو أنشيلوتي أن ينشر (غسيل النادي) علنًا، وهذا ما كان يفعله دومًا في كافة الأندية التي دربها، ولهذا لم يشتك أبدًا أمام وسائل الإعلام من فشل مجلس إدارة ريال مدريد في القيام بصفقات تعزز خط دفاع الفريق، في واحد من أكثر المواسم صعوبة وتطلبًا على مستوى روزنامة المباريات.
لم يكن من المنطقي أبدًا أن يدخل ريال مدريد هذا الموسم، في ظل وجود لاعبين فقط من لاعبي النخبة على مستوى مركز قلب الدفاع، وهما إيدير ميليتاو وأنطونيو روديغير.. صحيح أن أحدًا لم يكن بإمكانه أن يتنبأ بإصابة الحارس كورتوا مجددًا، وكذلك إصابة قائد الفريق داني كارفاخال (الذي ترك فراغًا كبيرًا في مركز الظهير الأيمن) إلا أن الواضح أنه لم تتم الاستفادة من دروس العام الماضي، خاصة أن موعد عودة الظهير الآخر ديفيد آلابا (الذي تعرض لإصابة خطيرة في الركبة) ليست واضحة المعالم أيضًا.
ومع اعتزال الألماني توني كروس، وتقدم الكرواتي لوكا مودريتش بالعمر سنة إضافية، كان لا بد لإدارة النادي أن تتنبه إلى أن الفرنسيين تشواميني وكامافينغا لا يملكان القدرة على لعب الأدوار التي كان يلعبها الثنائي (كروس ومودريتش) في السنوات الأخيرة، لا سيما وأن العضو الثالث في خط الوسط (فالفيردي) لا يلعب بمستوى ثابت في كل المباريات.. بالمقابل فإن الإنجليزي بيلينغهام أصبح تائهًا منذ قدوم الفرنسي مبابي بعد أن اختلطت الأدوار في الخط الأمامي.
ريال مدريد وفوضى النجوم
من الواضح أن أنشيلوتي الذي أحرز 14 لقبًا مع ريال مدريد لم يفقد بوصلته التدريبية، ولكن بالتأكيد فقد سيطرته الكاملة على غرفة الملابس، وعلى نجوم الفريق الذين باتوا يفتقدون للانضباط التكتيكي داخل المستطيل الأخضر، ولمنظومة اللعب الجماعي، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما كان يحدث في عصر "الغالاكتيكوس" مطلع الألفية الثالثة.
" title="YouTube video player" width="890">
ويمكن استخلاص حالة الفوضى هذه في فشل منظومة الضغط المتقدم على لاعبي الفريق الخصم، والتي كانت واحدة من أهم أسلحة الريال المميزة في الموسم الماضي، إذ إن استرجاع الكرة في ملعب المنافسين بات مشهدًا غائبًا، في حين أن العودة إلى المواقع الدفاعية أصبح بطيئًا للغاية، وهو ما لاحظه كل من نوري شاهين مدرب دورتموند وباولو فونسيكا مدرب ميلان، في آخر مباراتين للريال على المستوى الأوروبي.
هل إقالة أنشيلوتي هي الحل؟
بينما ترتفع بعض الأصوات المطالبة بإقالة المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي وتعيين الأرجنتيني سانتياغو سولاري أو الإسباني راؤول غونزاليس عوضًا عنه، في ظل عدم جاهزية الفرنسي زين الدين زيدان للعودة حاليًّا إلى دكة بدلاء الفريق، فإن البعض الآخر (ومن ضمنهم الرئيس فلورنتينو بيريز) يرى أن (كارليتو) هو الشخص الأنسب لإخراج ريال مدريد حاليًّا من أزمته، وأن أي تغيير في هذا التوقيت سيكون مغامرة غير محسوبة، وربما إعلانًا مبكرًا للاستسلام في الموسم الحالي، الذي يجد ريال مدريد نفسه فيه ثانيًا على لائحة الليغا بفارق تسع نقاط عن البارسا (الرهيب) مع مباراة أقل، وفي المركز الثامن عشر في مسابقة دوري الأبطال برصيد ست نقاط فقط.
ربما كان التوقف الدولي القادم هو أكثر ما يحتاجه ريال مدريد وأنشيلوتي من أجل استعادة بعض الهدوء قبل العاصفة المرتقبة في الشهر الأخير من العام الحالي، والذي يتضمن العديد من المواجهات القوية والصعبة، ومن بينها زيارة ملعب "أنفيلد" لملاقاة ليفربول متصدر ترتيب دوري الأبطال، وكذلك اللعب على لقب كأس الإنتركونتيننتال في منتصف الشهر المقبل.