في لقائه مع ممثلي وسائل الإعلام بعد الاجتماع الفصلي الرابع لمجلس البنك المغرب، مساء أمس الثلاثاء، أبدى والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري تأييده لما ورد في توصيات التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات (2023-2024)، الذي كان قد دعا إلى إدماج الفئات الهشة في سوق الشغل واستبدال الدعم الاجتماعي المباشر بـ”تحسين الدخل”.
الجواهري، الذي كان يجيب عن سؤال في الموضوع، قال: “لم أطّلع بعدُ بشكل مفصل على تقرير مجلس الحسابات، وهو ما دأب عليه بنك المغرب كل سنة. غيْرَ أنه إذا كان هذا التقرير قد دافع عن تعويض الدعم المباشر بتحسين الدخل وتوفير فرص عمل للفئات الهشة، فأرى أنه اختيار جيد وصائب”.
وفي تقدير والي بنك المغرب، فإن اعتماد الدعم المباشر للأسر الفقيرة لا يجب أن يكون بصفة “دائمة”، مشيرا إلى أنه “إذا كان الدعم في ظرفية معينة وينتهي سيكون مقبولا، ولكن لا ينبغي أن يكون بشكل دائم”. وشرح أسباب موقفه قائلا إن “ديمومة الدعم المباشر تدفع الناس للتسجيل من أجل الاستفادة دون أن يساهموا في ارتفاع دينامية التشغيل. وحتى إذا كانت هناك فرص تشغيل فقد لا يذهبون إليها”.
“لا ينبغي الاستمرار في صرف الدعم المباشر على المدى الطويل، بل يجب أن يكون في ظرفية زمنية معينة وأن ينتهي بعد ذلك”، يقول المسؤول المالي، لافتا إلى أن “استمرار الدعم المباشر سيؤدي إلى أثر مالي يؤثر على استدامة هوامش الميزانية”.
ووفق نظره، فإن التشغيل يكون أكثر إيجابية عبر عمل الدولة والمؤسسات العمومية والخاصة على خلق الشغل الإيجابي الذي “ينمّي الثروة ويبقى مسترسَلا”.
تعزيز التشغيل
اغتنم الجواهري فرصة لقائه الفصلي بالصحافيين للتعليق على الرقم الذي كشفته النتائج التفصيلية عن “ارتفاع نسبة البطالة في المغرب على المستوى الوطني إلى 21,3 بالمائة (حسب تصريح الساكنة وإفادات المستجوَبين)، إذ قال: “ليس لدي هامش للتعليق لأن بنك المغرب يعتمد أرقام مندوبية التخطيط ويبني عليها”.
وتابع راسماً تصوّره للحد من معضلة البطالة بالمغرب “أرى أنه لا يمكن حل أزمة التشغيل بصفة إيجابية إلا عن طريق رفع النمو ودعم القطاعات غير الفلاحية التي بدأت تستعيد عافيتها”، مشددا على ضرورة “زيادة ثروة البلاد وتوزيعها”. وأوضح أن الحلول المعتمدة سابقا من طرف المغرب (على غرار بعض الدول) عبر قرارات إدارية أو تشغيل محدود “لا تعطي نتيجة، لذلك وجب العمل بين القطاعين العام والخاص لرفع مستوى النمو”.
ولم يخفِ والي البنك المركزي قلقه من “ارتفاع معدل بطالة الشباب بين 15 و24 سنة إلى 50 بالمائة”، قبل أن يضيف أن “الأرقام المسجلة في خلق فرص الشغل خلال الفصل الثالث 2024 بالقطاعات غير الفلاحية تظل إيجابية”، داعياً إلى ترصيد هذا المكتسَب، والدفع بقطاعات السياحة والتجارة والخدمات لأنها محركات أساسية لفرص العمل.
مكاسب “المونديال”
في موضوع التأثيرات التنموية لتنظيم المغرب لمونديال 2030 بشكل مشترك مع إسبانيا والبرتغال، قال والي بنك المغرب إن “الأمر يطرح فرضيات كثيرة”، قبل أن يلمّح إلى أن المكاسب والمنافع قد تفوق المخاوف والمخاطر.
وأردف قائلا: “تنظيم المونديال لا نتحمل مسؤوليته وحدنا. فنحن إلى جانب إسبانيا، وهي دولة كبيرة لها تأثير اقتصادي، وقد تكون هناك انعكاسات إيجابية بالنسبة للمغرب”، لافتا في هذا الصدد إلى “فرص النمو، ورواج اقتصادي ومالي مهم”، قبل أن يصف اختيار الترشيح الثلاثي بأنه “خطوة ذكية” من طرف المغرب.
وأبرز الجواهري أن “استعمال بنيات ومشاريع كأس العالم لصالح التنمية الوطنية وحُسن التصرف فيها سيعود بمكاسب ومنافع لأنه كان هناك عجز في البنيات التحتية بالمغرب”.
وتابع “أكيد ستكون هناك مداخيل، رغم أن المشاريع الكبرى ستستدعي تحريك استثمارات عمومية وتأثيرا على الميزانية. لكن القول إن ما بعد المونديال قد يتسبب في تضخم بالمغرب، فهذا سابق لأوانه ويجب أن ننتظر ماذا سيحصل. إلا أنه إذا نظّمنا المونديال بمراعاة التوازنات الماكرواقتصادية فإن بنك المغرب ليست لديه تخوفات (…)، ومن الصعب اعتماد الاقتراض لتمويل المونديال”.
تداعيات عودة ترامب
في تفاعله مع سؤال لجريدة هسبريس الإلكترونية، خلال الندوة ذاتها، قال الجواهري إن “الحديث عن تأثير انتخاب ترامب لولاية ثانية في السوق التجارية الدولية وموقع المغرب في الصراع بين واشنطن وبكين، يبقى مجرد افتراضات”، مضيفا “وجب انتظار تنصيبه في 20 يناير وأول قراراته، وإن غدًا لناظره قريب”.
وأضاف أن “عودة ترامب إلى البيت الأبيض تأتي في سياق مغايرٍ لولايته الأولى (2016-2020)، إذ لم تكن هناك حروب في أوكرانيا والشرق الأوسط. وهذا قد يفسّر لنا استمرار وهيمنة اللايقين وعدم الحسم في المشهد العالمي. فإعادة توزيع الأوراق ما زالت لم تكتمل”.
وتابع قائلا: “هناك فعلا مخاوف ناشئة من شروط تقييده لحركية التجارة العالمية بضرائب جديدة، وهو ما قد تكون له انعكاسات مباشرة وغير مباشرة للمغرب. وفرض الضرائب سيرفع الأسعار في السوق الدولية”، مضيفا “سنرى كيف يمكن أن يؤثر علينا هذا القرار في حال اتخاذه من حيث الاستيراد. الوضع محطُ ترقّب، وهذا ما يفسر اللايقين الحالي”.
واستحضر الجواهري بأن المغرب سبق له أن “رَبح من اعتراف ترامب وتوقيعه القرار الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية ومغربية الصحراء كاملة”، مشيرا إلى أن “العلاقات وطيدة بين الرباط وواشنطن، وقد استقبلت السفير الأمريكي الجديد ومر لقاؤنا في أجواء إيجابية تعكس نظرتهم الجيدة تجاهنا. وهناك علاقات قوية في هذا السياق”.