في سياق التحضير للمناظرة الوطنية الثانية حول ورش الجهوية المتقدمة، المقرر عقدها يومي 20 و21 دجنبر الجاري بطنجة تحت شعار “الجهوية المتقدمة بين تحديات اليوم والغد”، تبرز تساؤلات حول مدى تحقيق هذا الورش الوطني أهدافه المنشودة، لاسيما على المستوى الاقتصادي.
الجهوية المتقدمة، التي كان يُعول عليها لتخفيف العبء عن المركز وتعزيز التنمية المحلية مازالت تواجه، وفق العديد من الفاعلين السياسيين والمدنيين والاقتصاديين ومدبري الشأن المحلي، العديد من التحديات التي تحول دون تحقيق إمكانياتها الكاملة.
في هذا السياق يرى رشيد أوراز، الباحث في المعهد المغربي لتحليل السياسات، أن مشروع الجهوية المتقدمة “لم يحقق الكثير من النتائج”، مشيراً إلى أن المركزية الإدارية “مازالت عقيدة راسخة في الدولة المغربية”.
وأضاف أوراز، ضمن تصريح لهسبريس، أن “توزيع المسؤوليات من المركز إلى الجهات لم يكن ممكناً بسبب سيادة روح المركزية بين النخب والمسؤولين عن الشأن العام، فضلاً عن وجود هواجس ومخاوف من تفويض الاختصاصات إلى مراكز قرار بعيدة عن المركز”، وأبرز أن هناك “ضعفاً واضحاً” في الموارد المالية والبشرية على المستوى المحلي؛ “كما أن النخب المتعلمة تفضل البقاء في المراكز الحضرية الكبرى، حيث تتوفر ظروف معيشية أفضل، ما يترك الهوامش تعاني من نقص في الكفاءات”.
وانتقد المتحدث في السياق ذاته “عدم كفاية الموارد المالية التي تحصل عليها الجهات لتمويل برامجها وسياساتها المحلية”، معتبرا أن “الإدارات المركزية تحتفظ بعقلية تركز المهام والتحكم في الموارد، وهو ما يشكل عائقاً كبيراً أمام استقلالية الجهات”.
وأشار الباحث في المعهد المغربي لتحليل السياسات إلى مسألة الفساد على المستوى المحلي، مؤكداً أن “الكثير من النخب المحلية تقوم بتبذير الموارد المتاحة لها”، مستشهدا بالتقارير الرسمية، مثل تقارير المجلس الأعلى للحسابات، “التي تشير إلى وجود سوء تدبير للمال العام”، ولافتاً إلى أن “هذه النخب ربما تعتقد أن بعدها عن المركز يحميها من الرقابة والمحاسبة”.
من جانبه أشار عبد الرزاق الهيري، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، إلى أن “هناك عدة إنجازات وفقاً لتقارير المجلس الأعلى للحسابات، منها إنشاء وكالات جهوية لتنفيذ المشاريع بين عامي 2016 و2022، مع تخصيص إعانات مالية كبيرة تقدر بـ 8 مليارات و510 ملايين درهم لهذه الوكالات؛ فضلا عن خلق نحو 9 شركات للتنمية الجهوية برأسمال إجمالي تجاوز 207 ملايين درهم، وتعزيز الجهات والجماعات الترابية بهيئات استشارية في مجال تفعيل الديمقراطية التشاركية، إلى جانب تنفيذ 32 في المائة من خارطة طريق عملية اللاتمركز الإداري حتى شتنبر 2023”.
واستعرض الهيري، في حديثه إلى هسبريس، الموارد المالية التي حصلت عليها الجهات، وناهزت 47 مليار درهم بين عامي 2016 و2022، معتمدة بشكل كبير على التحويلات من الدولة، وأوضح أن “هذه التحويلات تأتي من مصادر متنوعة، مثل الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات، التي تشكل الجزء الأكبر من تمويل هذه الجهات”؛ كما لفت إلى “توقيع، في سياق الجهوية المتقدمة وفق تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، أربعة عقود برامج بين الدولة والجهات، تهدف إلى تنفيذ 197 مشروعاً تنموياً في إطار مخطط التنمية الجهوية بغلاف مالي يصل إلى 24 مليار درهم”.
ومع ذلك نبه الأستاذ الجامعي ذاته إلى أن “هناك العديد من التحديات التي تواجه الجهات في إطار هذا الورش، منها ضعف مساهمتها في الاستثمار العمومي، وتأخر الإطار القانوني للشراكة بين القطاعين العام والخاص”، مؤكداً أن “الجهات تعتمد بشكل شبه كلي على الموارد التي تخصصها الدولة، ما يستدعي تعزيز قدراتها على تعبئة مواردها الذاتية لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.