أخضع المجلس الأعلى للحسابات في تقريره السنوي (2023-2024) مؤسسات التعليم العالي الخاص لمجهر التدقيق والافتحاص المؤسساتي المعمق، معددا جملة من “النقائص” تعتري بلورة وتقنين معاهد وكليات التعليم العالي الخاص بالمغرب؛ أبرزها “ضعف تغطية المراقبة الإدارية والبيداغوجية و”عدم تطرقها لجوانب ذات أثر واضح على سير القطاع وعلى جودة التكوينات، مما لا يسمح للوزارة بتتبع القطاع بشكل ملائم ورصد النقائص التي يعاني منها”.
وطيلة عقد كامل، لم تشمل المراقبة الإدارية والبيداغوجية لمؤسسات جامعية خصوصية نشطة سوى 3%، مع “عدم” شمول كيفيات سير وإجراء الامتحانات فيها بالمراقبة، رغم ما يصحبها من “غياب وعدم توقيع المحاضر”، فيما ظل الترخيص يمنح لمؤسسات تشتغل ببنايات سكنية، رغم أنها “لا تلائم نشاط التعليم العالي”.
وسجل تقرير المؤسسة الدستورية المرفوع إلى الملك محمد السادس، عدم شمول مجموعة من المجالات بالتعليم العالي الخاص بالمراقبة أساسا، أو عدم التنصيص على ذلك صراحة، موردا أن “تقارير المراقبة الإدارية أظهرت أن جودة التكوينات التي تقدمها هذه المؤسسات (الجامعية الخاصة) لا يتم التطرق إليها، وأنها تقتصر على فحص الوثائق الإدارية والوضع العام للمؤسسات”.
“مجلس العدوي” توقف بالتفصيل عند “عمليات مراقبة لم تشمل كيفيات سير وإجراء الامتحانات”، منبها إلى “مجموعة من النقائص، من قبيل غياب وعدم توقيع محاضر المداولات والامتحانات، وعدم الامتثال للقوانين الداخلية الخاصة بأنظمة الدراسة التي تشمل وجوبا كيفيات إجراء الامتحانات”.
هذه الخلاصات الرسمية تثير دور وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في هذا المضمار، كـ”ضامنة للجودة وباعتبارها وصية على هذه المؤسسات الخاصة”، التي بدأت تجتذب إقبالا متزايد للطلبة المغاربة.
افتقاد للجودة و”لوبيات”
عبد الناصر ناجي، خبير تربوي رئيس الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم (أماكن) عضو سابق بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، قال إن “الوزارة الوصية على القطاع ملزمة ليس فقط بالترخيص والاعتراف أو اعتماد المسالك الدراسية، بل بوضع معايير واضحة وشفافة لضمان الجودة في مؤسسات التعليم العالي الخصوصي، وهو ما نفتقده في المغرب”.
وأشار ناجي، في تصريح لهسبريس، إلى أن “مراقبة تقييم أداء تلك المؤسسات من بين الإشكالات الكبرى التي تشهد تعثرات مستمرة وعوائق في التنزيل والممارسة رغم وجود بعض القوانين المؤطرة”، معددا وجود 3 مستويات للمراقبة، أولها احترام دفتر تحملات لكي تفتح المؤسسة أبوابها بعدد معين من المتطلبات الإدارية والمالية”. المستوى الثاني يهم “تدقيق مسطرة اعتماد تكوينات خاضعة لتقييم مسبق”، بينما يتعلق الثالث بمسطرة منح الاعتراف بمعادلة شهادات الدبلومات مع تلك التي تمنحها الدولة.
ولفت الخبير التربوي إلى أن “الوزارة لا تقوم بمراقبة تطبيق ما تتضمنه دفاتر التحملات، ما يعني نقصا في التتبع”، مؤكدا أن “القانون رغم وجوده وتوفر الوزارة على أداة تقييم تحت وصايتها هي الوكالة الوطنية لتقييم التعليم العالي وضمان الجودة ANEAQ، إلا أن الضعف الذي أشار إليه تقرير الحسابات راجع بالأساس إلى عدم تفعيل مهامها وصلاحيات الوكالة بالشكل المطلوب. وإلى حد الآن، رغم مرور عشر سنوات على إحداثها، إلا أن الوكالة لا تقيم عمل وأداء ونجاعة وجودة التعليم العالي في المعاهد والمؤسسات الخاصة”.
وبينما عزا ذلك إلى “عدم توفر الوكالة على استقلالية وأطر مختصة كافية”، لم يخف رئيس جمعية “أماكن” وجود “لوبيات قوية للقطاع الخاص في التعليم العالي تضغط على الوزارة كي يستمر الوضع على ما هو عليه، خاصة أن سحب الاعتراف من مؤسسة ما يقتضي توفير بديل لطلبتها”، مؤكدا أن الأمر إجمالا متصل بـ”صرامة هشة وضعيفة، فضلا عن ثقافة المسؤولية/المحاسبة التي ليست متجذرة مجتمعيا”.
“فراغ قانوني غير مشجع”
أثار خالد الصمدي، كاتب الدولة السابق في قطاع التعليم العالي، أهمية التوقف عند “مفهوم التعليم العالي الخاص والمقصود به”، مبرزا “أهمية التمييز بين نوعين من هذه المؤسسات”، ففضلا عن معاهد ومؤسسات خاصة خالصة، هناك “المؤسسات الشريكة للدولة الخاضعة لإشراف مباشر ومحدثة بموجب قوانين خاصة صودق عليها في البرلمان (شراكات قطاع عام-خاص)”.
وأشار الصمدي، في تصريح لهسبريس، إلى أن “هذه المؤسسات تبقى مدعومة ماليا من الدولة لأن 20 في المائة من طلبتها المستحقين يدرسون بمنحة كاملة، وهي ملزمة بتقديم تقارير تتبع سنوية”، معتبرا أن “تقرير مجلس الحسابات لم يشر إلى ذلك بوضوح”.
الصمدي نبه إلى أن “ضعف المراقبة وهشاشة التقييم في قطاع التعليم العالي الخاص مرده إلى فراغ قانوني واضح مازال يشجع على ممارسات أوردها تقرير الحسابات”، وزاد شارحا: “القانون 01.00 للتعليم العالي قانون إطار فيه مواد تتعلق بالتعليم الخاص، غير أنه منذ سنة 2000 لم تصدر مراسيم وزارية تطبيقية تفصيلية تحدد كيفية ممارسة الوزارة للصلاحيات الموكولة إليها”، وهو ما جعل “يد الوزارة مكبلة، ولم يكن لها أدوات تتبع ومراقبة دقيقة”.
وقال المتابع لشؤون التعليم العالي إن “القانون الإطار للمنظومة التربوية 51.17 شدد على ضرورة ملاءمة القوانين والجانب التشريعي القانوني مع مختلف الأطر القانونية الأخرى، وهو ورش مازال متعثرا”، مؤكدا أن “المفتشية العامة لوزارة التعليم العالي وحتى في حال وجود خروقات أو ممارسات غير قانونية، فهي تجد نفسها أمام إطار قانوني لا يسمح لها باتخاذ الإجراءات المتعينة، خصوصا من حيث سحب الاعتراف أو الترخيص من أساسه”.
ودعا إلى “اتخاذ الإجراءات اللازمة عبر الإسراع في تعديل قانون التعليم العالي والنصوص التطبيقية المرتبطة به” لتعزيز منظومة “الرقابة والتتبع والتدقيق في أداء وعمل مؤسسات جامعية خاصة”.
وأنهى كاتب الدولة السابق بأنه “يلزم التمييز بين الترخيص والاعتماد والاعتراف”، لأن هناك خلطا كبيرا في هذا الصدد؛ فعدد كبير من المؤسسات الجامعية الخاصة مرخص لها من طرف الدولة دون استكمال اعتماد كل المسالك والشعب الأكاديمية، قبل الوصول إلى الاعتراف الرسمي”، عادا ذلك “مسطرة طويلة ومعقدة لكنها قد تضمن معايير الجودة في حال احترامها”.