لم تكن الإفادات التي قدمها رياض مزور، وزير الصناعة والتجارة، بمجلس النواب الأسبوع الماضي، بخصوص وضعية تجارة القرب، لتمر مرور الكرام؛ على اعتبار أن مهنيي القطاع ونقابييه أبوا إلا أن يثيروا مجموعة من الملاحظات بشأن ما قدمه المسؤول نفسه من معطيات.
وبداية بمسألة “مصادِر الأرباح”، مرورا بمعطى “المنافسة مع المتاجر الكبرى”، وانتهاء بـ”إشكالية عصرنة القطاع”، تعامل بعض النقابيين الذين تحدثوا لهسبريس مع ما أشار إليه الوزير بنوع من التحفظ، إذ لفتوا إلى أن “البقالة الصغار لا يلمسون آثار برامج الحكومة التي تستهدفهم في الأساس”.
كما تحدث هؤلاء عن “رغبة في الجلوس إلى طاولة الحوار مع الوزير من أجل التباحث بخصوص مجموعة من النقاط التي تستوجب المعالجة، بما فيها المنافسة والرخص وعصرنة القطاع، بما يمكّن التجار الصغار من مواكبة التغيرات التي يعرفها مجال استثمارهم واشتغالهم”.
وكان الوزير مزور ثمّن دور “مول الحانوت”، مؤكدا أنه “مازال يستحوذ على 80 في المائة من السوق الوطنية لتجارة القرب”، وموضحا أن 30 في المائة من مداخيل التجار في هذا الصدد “تأتي من تعبئة الهاتف المحمول”، مع إشارته إلى أن “حوالي 30 في المائة من هذه المعاملات لا علاقة لها بالسلعة التي يبيعها التاجر، بل ترتبط بتسديد فواتير أو تقديم أموال بشكل مباشر”.
الحاجة إلى العصرنة
قال عيسى أوشوط، الكاتب العام لنقابة “الاتحاد المغربي للتجار والمهنيين” التابعة للاتحاد المغربي للشغل: “أولُ تعقيب لنا على إفادات الوزير يتعلق بقوله إن 30 في المائة من أرباحنا تأتي من بطاقات تعبئة الهاتف المحمول، وهو رقم نؤكد أنه غير صحيح، ونسائله عمّا إذا كانت هناك دراسة أو شيء من هذا القبيل على أرض الواقع؛ فالأرباح المتأتية من هذا الجانب ضعيفة، وحتى إن كانت صحيحة فهي بمثابة اعتراف ضمني بأن البقال الصغير صار يفقد تجارته الأصلية لصالح منافسين آخرين”.
وأورد أوشوط ضمن تصريحه لهسبريس: “بالنسبة لمسألة المنافسة يمكننا التأكيد أن متجرًا كبيرا واحدًا يعادل حوالي ألف محل تجاري صغير، على اعتبار أن رساميل التجار الصغار تبقى محدودة؛ الأمر الذي يجعلنا نطالب الوزارة بالجلوس إلى طاولة الحوار مع التجار الحقيقيين لبحث كل هذه الأمور المهمة، ونؤكد أن المنافسة لا تخيفنا، مع إشارتنا إلى أن الوزارة تعطي وقتها بشكل كبير لقطاع الصناعة بدلًا من التجارة”.
وذكر المتحدث ذاته أن “نسبة كبرى من التجار الصغار لا يحسون بأنهم يستفيدون من أي برامج تقول الوزارة إنها تطلقها أو تعتمدها في هذا الصدد”، وزاد: “من بين مطالبنا للوزير أن تكون هناك دراسات ميدانية معمقة لتجويد نظام منح الضوء الأخضر للاستثمار لفائدة المساحات الكبرى والتجار الصغار كذلك؛ فبالنسبة للرخص نجد أن كثيرا من التجار الصغار صاروا يواجهون مصير الإغلاق بسبب توفرهم فقط على تصاريح الممارسة في وقت سابق، دون أن يكونوا يتوفرون على الرخص، في وقت نسجل إسهابا في منح التراخيص لفائدة المساحات الكبرى سالفة الإشارة”.
وتابع المهني ذاته: “بالنسبة لعصرنة القطاع يجب علينا كمهنيين أن نراها ملموسة على أرض الواقع؛ فدفعة صغيرة فقط من الوزارة المعنية بأمور القطاع يمكنها أن تكون محفزًا لنا على مجاراة تغيّرات التجارة على المستوى الوطني، وبالتالي فهذه من أكثر مطالبنا للوزير مزور، الذي نطالبه بجلسات للحوار قبل فوات الأوان”.
ضرورة الحوار
بالنسبة إلى إبراهيم أيت أوداود، عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للتجار والمهنيين، فتوجد “مجموعة من النقاط التي تحتاج إلى جلسات للحوار مع القائمين على وزارة الصناعة والتجارة من أجل التباحث بخصوصها”، مؤكدًا أن “المنافسة مع المساحات الكبرى تستوجب قراءة أخرى، على اعتبار أنها دفعت البقال الصغير إلى محاولة تنويع معروضاته من السلع بغرض مواكبة تغيرات القطاع، وهو ما لا ينفي الجوانب السلبية الأخرى لهذه النقطة”.
وأوضح أيت أوداود، في تصريح لهسبريس، أن “نسب مسايرة العصرنة في المجال تبقى قليلة، إن لم نقل ضئيلة، وهو ما يؤكد أولوية مشاركة التجار كذلك في هذه المسألة”، مردفا: “كَنقابة اشتغلنا خلال وقت سابق على موضوع الرقمنة والأداء الإلكتروني، وهي نقاط ستتم معالجتها في إطار العصرنة لا غير”.
وجوابًا عن سؤال حول ما إذا كان التجار يلمسون آثار تدابير رسمية في هذا الإطار أوضح النقابي ذاته أن “الوزارة الوصية على القطاع سبق أن دفعت في اتجاه مسايرة التاجر الصغير، وهو أمر إيجابي يبين أنها تحاول القيام بالدور المنوط بها”، مستدركًا بأن “المهنيين يطمحون إلى أن تكون هذه الأخيرة آخذة بزمام الأمور، ما دام أن دورها مازال محدودًا في هذا السياق”.
كما ذكر المتحدث أنه بخصوص تدبير مساطر منح الرخص للمهنيين “نجد أن وزارة الداخلية هي التي مازالت تدبر هذا الجانب، في وقت كان حريًا بالوزارة الوصية على قطاع التجارة أن تكون صاحبة القرار بخصوصه”، مشيرًا في الأخير إلى “أهمية فتح الحوار مع النقابات الأكثر تمثيلية”.