عُرفت الدراما السورية كواحدة من أروع وأعرق الصناعات الثقافية فى العالم العربي
المسجد الأموى بدمشق واحد من أبرز معالم المدينة وهو جامع بنى أمية الكبير ويعرف اختصارًا بالجامع الأموي
دمشق.. أقدم العواصم التاريخية وأحيائها تحمل روح العراقة والأصالة
أحياء دمشق القديمة كانت متشعبة بقناطرها ومساجدها وأسواقها وبقايا سورها
الطراز المعمارى يعكس تطور الحضارة الإسلامية فى كل مراحلها
"الشرق كل بلاده وطني، والشام كل ربوعها بلدي، والشام لو أنسى الربيع بها، أنسى شبابا فى الضلوع ندي"، بهذه الكلمات ودع الشاعر العربى الكبير شفيق المعلوف أرض دمشق، التى قدِم إليها برفقة والده عيسى إسكندر المعلوف، عضو المجمع العلمى العربى عام 1931م، وحينما عقد شفيق العزم على الرحيل إلى البرازيل حيث يعيش أخواه عام 1935م، وقف على حدودها وغزل قصيدته.
لم يكن شفيق معلوف الشاعر الوحيد الذى تغنّى فى مجد ومحبة سوريا، فالشاعر المصرى الكبير حافظ إبراهيم أنشد فيها قائلًا: "لمِصرَ أم لرُبُوعِ الشَّأمِ تَنْتَسِبُ.. هُنا العُلا وهُناكَ المجدُ والحَسَب"، وقال عنها الشاعر عبدالقادر الحصني، "وأتح لقلبك أن يُقدّم وردة، فلربما يصفو له إعجابها، وتقول: هيت لك المفاتن كلها، هذى دمشق.. وهذه أبوابها".
دمشق.. المدينة التاريخية
تُعد دمشق أقدم مدينة مأهولة في العالم وأقدم عاصمة في التاريخ، حيث يمتد تاريخها إلى أكثر من ٨٠٠٠ عام، في كل ركن من أركان أحيائها القديمة، يحس المرء بطعم الأصالة التي مرت بها المدينة، ويعد حي العمارة شاهدًا حيًا على عراقة دمشق، حيث يعود تاريخ بنائه إلى زمن تأسيس المدينة الأولى، مما يجعله أحد أقدم الأحياء المأهولة في العالم.
تتميز عمارة حي العمارة بطابعها الفريد الذي يعكس مراحل تاريخية مختلفة مرت بها المدينة، حيث تجد فيها مزيجًا من العناصر الرومانية والبيزنطية والإسلامية، ومن كل منزل في الحي، يمكن للمشاهد أن يرى مآذن المسجد الأموي الكبير، أحد أبرز المعالم الدينية والتاريخية في المدينة.
كما يتصل حي العمارة مباشرة بالأسواق القديمة الشهيرة، مثل سوق الحميدية وسوق البزورية، والتي كانت تشكل قلب النشاط التجاري في المدينة، وعلى الرغم من كل التحديات التي تواجهها دمشق القديمة، إلا أنها تبقى رمزًا للتاريخ والحضارة، وشاهدًا على عراقة هذه المدينة العريقة.
عندما تتجول في أزقة حي العمارة، تشعر وكأنك سافرت عبر الزمن، فكل بيت يحكي قصة وحكاية، تنتشر في الحي البيوت العربية ذات الطابع الشرقي التقليدي، وهي أبنية أثرية تمتاز بفناء داخلي واسع يسمى بأرض الديار، تحيطه الغرف وتتوسطه بركة ماء جميلة، تزين جدران هذه الفناءات الزخارف الإسلامية الرائعة، التي تعكس مهارة الحرفيين الدمشقيين في فنون النقش والزخرفة، ولا يكاد بيت دمشقي يخلو من شجرة ياسمين أو جاردينيا تبعث بعبيرها الزكي في أرجاء الفناء.
تتماشى هذه البيوت مع متطلبات المجتمع والتقاليد الإسلامية، وتتكون بنيتها العامة من مواد أولية متوافرة في البيئة المتوسطية، مثل الأخشاب والأحجار البازلتية، والشوارع مرصوفة بالطوب الأسود، والأبواب الخشبية البسيطة تتناقض مع الفخامة التي تخفيها هذه البيوت من الداخل، فمن يتجوّل في أركان المنطقة لا يفصله عن المنازل الدمشقية الفارهة التي تكاد تشبه القصور إلا هذه الأبواب.
يعكس هذا الطراز المعماري تطور الحضارة الإسلامية في دمشق، حيث كانت المدينة مركزًا علميًا وثقافيًا مهمًا، ولا يزال أهلها محافظين على العادات والتقاليد التي ورثوها عن أجدادهم، فنمط العيش في المجتمع الدمشقي القديم كان عائليًا بامتياز.
و"العمارة الدمشقية كثمرة الرمان، كنوزها مخبأة داخل قشرتها النحاسية، عمارة شيدها التواضع والتكتم، تتجاور فيه البيوت الفقيرة والغنية، وتتداخل فيها الأبنية التاريخية، في تآلف هادئ، تسمح بوردة دمشقية من الحجر، وسقاطة باب مزخرفة، وتترك للأبنية التاريخية فقط، واجهات فخمة.
مُجمّع الأديان الدمشقي
منذ قدم التاريخ أقيم معبد مخصص للإله "حدد" في مساحة كبيرة في عمق المدينة الآرامية دمشق، المعبد يرجع تاريخه إلى القرنين العاشر والحادي عشر ميلاديًا، وحينما سيطر على المدينة جنود المملكة الإغريقية ثم خضعت للنفوذ الروماني، أُعيد تأهيل هذا الصرح الديني الكبير، ليصبح بمرور الوقت مخصصًا لعبادة الإله "جوبيتر"، وبتغير الممالك ومرور التاريخ أقيمت داخل الحرم ساحة مقدّسة محاطة برواق لصيق بها من الزوايا الأربع، وفي القرن الرابع الميلادي، توقفت الطقوس الوثنية في دمشق لتنير المدينة تعاليم السيد المسيح، والتي تحول معها مبنى الهيكل في المعبد إلى كنيسة مهيبة، لتصبح مصلًا مأهولًا بالناس، وأخذ المكان القديم الجديد يشكل جزءًا من النسيج التاريخي للمدينة، وأصبحت الكنيسة مرتبطة بعدة مبانٍ دينية وأخرى إدارية داخل ذات المبنى، وتوالت السنوات، وعم الإسلام الجزيرة العربية وما حولها، لم يكن المعبد القديم الذي تحول إلى كنيسة ببعيد ما يدور من حوله، حيث استعمل جزء من رواق المعبد القديم بمُصلّى، مع الأخذ في الاعتبار ترك مساحة الكنيسة وملحقاتها.
ونظرًا لموقع الرواق باتجاه الجنوب أي باتجاه مكة المكرمة، كان يسمح للمصلين أن يصطفوا بموازاة حائط القبلة خلال الصلاة، وبمرور السنوات، وزيادة عدد معتنقي الإسلام، أضيفت صفوف دعم متوازية لتوسيع حرم الرواق، وأجريت أعمال تأهيلية بأمر من الخليفة الوليد الأول عام ٧٠٥م، أدت إلى تحويل هذا الموقع التاريخي إلى مسجد ضخم وهو ما عُرف بالجامع الأموي.
معالم المدينة
أحياء دمشق القديمة كانت متشعبة بقناطرها ومساجدها وأسواقها وبقايا سورها، حيث تضيق جدران الحارات أحيانًا بحيث لا تكاد تستطيع المرور من دون لمس الجدران المحيطة بك، وتزيّن الكروم سطوح بعض الأزقة لتعطيها مظهرًا فائق الروعة، وعلى الرغم من تشابك الأزقة والحارات التي ربما تجعل المتجول فيها يضيع، إلا أن تاريخ المكان يعطي فرصة الاكتشاف المتجدد للمعالم الخالدة التي تتوزع على أرجاء أرقى مدن العالم، ولعل أبرز معالم المدينة مقام السيدة رقية بنت الحسين والذي يقع على بعد خطوات من الحي، وبني المقام على قبر السيدة سكينة في عام ١٩٨٥م بطراز معماري فارسي مشغول بتناظر رائع وتلبيس بالذهب، إضافة إلى المكتبة الظاهرية التي أنشأ الظاهر بيبرس في عام ١٢٧٧ للميلاد لتكون المكتبة الوطنية لبلاد الشام جمعاء.
يحمل مبنى المكتبة تصاميم هندسية نادرة، جعلت المكتبة من أهم المواقع التاريخية في دمشق على الإطلاق، وقد أعلنت الحكومة السورية البناء كمكتبة وطنية في عام ١٨٨٠، وبعد ذلك أصدر مرسوم في عام ١٩٤٩ يقضي بتزويد المكتبة بنسخة من كل عمل ينشر في البلاد.
ولعل المسجد الأموي بدمشق واحد من أبرز معالم المدينة، وهو جامع بني أمية الكبير، ويعرف اختصارًا بالجامع الأموي، هو المسجد الذي أمر الوليد بن عبد الملك بتشييده في دمشق، ويُعد رابع أشهر المساجد الإسلامية بعد حرمي مكة والمدينة والمسجد الأقصى، كما يُعد واحدًا من أفخم المساجد الإسلامية، قبل أن يتعرض للتدمير والقصف خلال الأحداث السورية المأساوية، التي دمرت الكثير من معالم المدينة وعلى رأسها المسجد الأموي الذي تدمّر بشكل شبه كامل.
أما الكنيسة المريمية هي أقدم كنيسة في العالم، يرجع تاريخها إلى ٣٦ و٣٧ ميلادي، وتعتبر الكنيسة المريمية أكبر كنيسة في الشرق ويوازيها في المساحة كنيسة القديسين بطرس وبولس في مدينة أنطاكية، اكتسبت الكنيسة المريمية أهميتها، منذ انتقال الكرسي البطريركي من أنطاكية إلى دمشق عام ١٣٤٤ م.
شعراء وأدباء سوريا
نشأ في مدينة دمشق، عدد كبير من الشخصيات التاريخية العظيمة التي ساهمت في صنع تاريخ المنطقة والعالم، من هؤلاء الأديب عزت محمد خير حصرية، والكاتبة وفاء الكيلاني، والشيخ رمضان ديب، والأمير عبد القادر الجزائري الذي أقام في حيّ العمارة، حيث أعطاه السلطان العثماني قطعة أرض مقابلة للمسجد الأموي ومئذنة العروس التاريخية.
والمدونة الأدبية السورية، قدّمت عددًا كبيرًا من الشعراء والأدباء والمُفكرين، لن يتسع المقام لذكرهم جميعًا، ولعل أبرزهم "عمر أبو ريشة"، الذي يعتبر من أهم شعراء العصر الحديث في الوطن العربي، كما أنه قد شغل عددا من المناصب الدبلوماسية ممثلًا الجمهورية العربية السورية، ومحمد الماغوط الشاعر السوري الكبير الذي أبدع في كتابة قصيدة النثر، وله عدة دواوين شعرية فضلًا عن تأليفه عددًا من المسرحيات السياسية الساخرة، والشاعر الكبير "نزار قباني" والذي ينحدر من أسرة دمشقية لها باع طويل في الأدب، ولقباني العديد من المؤلفات الشعرية الرائعة، التي نشرت ضمن مجلدات لأعماله الكاملة، "نسيب عريضة"، هو شاعرٌ سوري من شعراء المهجر له ديوان شعري بعنوان "الأرواح الحائرة"، والشاعر العربي الكبير "علي أحمد سعيد إسبر"، المشهور باسم أدونيس، وهو أول أديب عربي يفوز بجائزة جوته، والمعروف أنه قدم الكثير من الأعمال المشهورة، ويُعتبر اليوم أهم شاعر عربي في عصرنا، و"ممدوح عدوان"، وهو شاعر وكاتب سوري، عرف بغزارة إنتاجه الأدبي وتنوعه، محققًا شهرة واسعة لا يزال اسمه معها متناقلًا على ألسنة الأجيال.
أما الشعراء القدامى، فأشهرهم "أبو العلاء المعري"، وهو أحمد بن عبدالله بن سليمان المعري "٩٧٣ – ١٠٥٧"، وهو شاعر وفيلسوف ولغوي وأديب عربي من عصر الدولة العباسية، و"البحتري"، وهو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي، أحد أشهر الشعراء العرب في العصر العباسي، وأخيرًا "أبو تمام"، وهو شاعر من العصر العباسي كتب العديد من القصائد والمجلدات التي خلّدت اسمه عبر التاريخ.
السينما السورية
عبر مسيرة السينما السورية الطويلة قدمت شركات الإنتاج السينمائي وقطاع الإنتاج والمؤسسة العامة للسينما أكثر من ٣٥٠ فيلمًا سينمائيًا طويلًا، وعدة مئات من الأفلام القصيرة والتسجيلية والوثائقية، وحققت الأفلام السورية في فترات مختلفة من هذه المسيرة عددًا من الجوائز لأفلام مميزة إضافة لجوائز الفنانين والفنانات والمخرجين، ويُعد فيلم رئيس الدولة السورية "أحمد نامي" أول فيلم للسينما السورية، وحصل الفيلم على جائزة في المعرض الصناعي بدمشق.
على مدى عقود من الزمن، كانت السينما السورية تواجه تحديات كبيرة وصراعًا مستمرًا مع الرقابة والتدخل الحكومي، حيث تأسست "المؤسسة العامة للسينما" بغرض السيطرة على صناعة السينما واستخدامها لصالح النظام الحاكم. كانت هذه المؤسسة تمارس سيطرة شديدة على الإنتاج السينمائي، بدءًا من مراقبة السيناريوهات وصولًا إلى قرار ما إذا كان فيلم يستحق العرض في صالات السينما أو المشاركة في المهرجانات الوطنية والعربية والدولية.
ويمكن القول إن تاريخ السينما السورية هو تاريخ صراع مع الرقابة والقيود، كل مخرج وفريق إنتاج يجدون أنفسهم في مواجهة تحديات مستمرة، حيث يجب عليهم الابتكار والتعبير عن أفكارهم بشكل مبدع رغم الضغوط والقيود، وتلك القصص تشمل معارك صحفية للدفاع عن حقوق الفنانين والتعبير الحر، وتواجه تصريحات "منع من العرض" ومحاولات التدخل السياسي في إنتاج الأفلام.
مع بداية الثورة السورية استطاعت السينما كسر القيود التي لازمتها قرابة الأربعة قرون من تعتيم وتقليص لمسيرة إبداعها، وأبصرت عشرات الأفلام السورية النور بعد عام ٢٠١١، التي وثّقت أهوال الحرب وأنتجت محتوى إنسانيًا أثّر في الجماهير العالمية، وهي تنقل ملامح الحياة والموت من أخطر البقاع المأهولة على الأرض، وحصلت هذه الأفلام على التقدير والتكريم من عشرات المهرجانات السينمائية حول العالم.
الدراما السورية
أما الدراما السورية فانطلاقتها تعود إلى العام ١٩٦٠م، بالتزامن مع بداية بث التليفزيون السوري، وكان أول عرض لعمل درامي سوري هو مسلسل بعنوان "الغريب" في العام ١٩٦٠م، يتناول أحداث الثورة الجزائرية وبطولاتها وأمجادها، بطولة ثراء دبسي وياسر أبو الجبين وبسام لطفي ومن إخراج سليم قطايا، وبعد هذه الانطلاقة تداعت الفرق المسرحية كمسرح حلب، ومسرح الشعب إلى تأسيس نقابة الفنانين والمسرح الإيمائي في سوريا، وكانت خطوة الاتجاه الصحيح لظهور جسد فني منظم بُنيت عليه الدراما السورية، وكان لمسرح الشوك الذي تأسس عام ١٩٧٠م عبر الممثل السوري الراحل عمر حجو، وقدمت عليه الفرقة التي ضمت أبرز الأسماء السورية باقة من أجمل الأعمال المسرحية التي عرضها التليفزيون السوري.
بعد تأسيس مسرح الشوك وبروز أسماء كبيرة في عالم المسرح السوري كالكاتب محمد الماغوط والممثلين عمر حجو، ودريد لحام ونهاد قلعي وصباح الجزائري وحسام تحسين بك وغيرهم، وفي عام ١٩٧٤م قدم الممثل السوري ياسر العظمة أشهر مسرحياته الكوميدية وهي "ضيعة تشرين" التي كتبها الأديب محمد الماغوط وأخرجها الفنان دريد لحام، وشارك فيها كممثل أيضًا، من ثم عرضت مسرحيات على التليفزيون السوري وحققت نجاحات كبيرة ولا تزال كمسرحية "كاسك يا وطن" التي قُدّمت كمسرحية في العام ١٩٧٩م.
ومؤخرًا شهدت الدراما السورية طفرة كبيرة وتطورًا ملحوظًا على يد مجموعة من صناع الدراما الذين انتقلوا بالدراما التاريخية نقلة غير مسبوقة في الوطن العربي، فها هو المخرج العربي الكبير حاتم علي - الذي أحبّت روحه أن تفيض لبارئها في أحضان القاهرة – يُقدّم مجموعة من الأعمال الدرامية التاريخية التي شكّلت وجدان أجيال عديدة، وأماطت اللثام عن فترات تاريخية متنوعة، من شبه الجزيرة العربية، إلى الأندلس، ومن بلاد الهلال الخصيب إلى القاهرة، فقدّم مسلسلات مثل "الزير سالم، الملك فاروق، أهو ده إللي صار، مسلسل عمر، صقر قريش، ربيع قرطبة، ملوك الطوائف، وغيرها من الأعمال السينمائية والمسرحية.
عُرفت الدراما السورية كواحدة من أروع وأعرق الصناعات الثقافية في العالم العربي، ولكنها دخلت في نفق مُظلم، ومرت بأزمة حقيقية مع بداية العام ٢٠١١، حيث هاجر المُنتجون والمخرجون والممثلون السوريون، وبدأت تنشأ "الدراما العربية المشتركة" والتي لمع فيها النجوم السوريون في التمثيل والإخراج والكتابة وغيرها من المجالات، في المقابل، ظهرت بعض الإنتاجات الضئيلة في الدراما السورية والتي لم تُحقق الرواج المطلوب، باستثناء سلسلة "بقعة ضوء" التي بدأت قبل الأزمة السورية بسنوات لكنها واكبت الأزمة وسخرت مما يحصل، ومسلسل "ضبوا الشناتي"، وبعض الأعمال الجيدة والتي كان آخرها مسلسل "دقيقة صمت".