سجالاتٌ واضحة انطلقت بين باحثين في الشأن الاقتصادي عقب انعقاد الدورة السادسة للجنة الوطنية للاستثمارات، المحدثة بموجب ميثاق الاستثمار الجديد، أمس الثلاثاء، ومصادقتها على 48 مشروع اتفاقية و4 ملاحق اتفاقيات. هذه المشاريع تندرج في إطار نظام الدعم الأساسي للاستثمار، بقيمة استثمارية تقدر بحوالي 113 مليار درهم، من ضمنها 24 مليار درهم تتعلق بالاستثمارات الخاصة.
واختلفت القراءات لدى الباحثين الذين تحدثوا لهسبريس بخصوص “القيمة الإستراتيجية” لهذه المشاريع، إذ اعتبرها أحدهم “مهمة وتواصل مساعي تقوية الاستثمارات الخاصة وخلق فرص الشغل داخل مختلف جهات التراب الوطني”، فيما طالب آخر بالمزيد “من التوضيح بخصوص هذه المشاريع وكيفية تنزيلها حتى يمكن تقديم قراءات عقلانية بشأنها تفاديا لقراءة تعهدات مبدئيا مهمّة”.
“تحركات مهمة”
رشيد ساري، محلل اقتصادي ورئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، قال إن “الملاحظة الأولى التي يجب التركيز عليها هي أن الحكومة جعلت اجتماعات هذه اللجنة دوريّة، وحافظت عليها وعلى جوهرها”، مضيفا أن “المشاريع المعلنة لا تتعلّقُ فقط بالقطاع العام، بل تهم أيضاً القطاع الخاص، وهذه مسألة مهمة تنضاف إلى احترام الميثاق الجديد للاستثمار الذي شدد على التوزيع المجالي للمشاريع الاستثمارية”.
وأشار ساري ضمن تصريحه لهسبريس إلى أن “المشاريع تمسّ 12 جهة في مختلف التراب الوطني”، لافتاً إلى فرص الشغل التي سيتم خلقها بموجب هذا الورش، “وتناهز في المجمل 66 ألف منصب مباشرة وغير مباشرة”، وموضحا أن “هذا يقلص من ضغط البطالة ويخلق حركية جديدة داخل نظم الاقتصاد الوطني”، وزاد: “العملية كلها تدخل في إطار توصيات الملك محمد السادس قبل مدة يخصوص رصد ميزانية 550 مليار درهم لخلق 500 ألف منصب شغل”.
وناقش المتحدث عينه أهمية هذه القرارات من حيث كونها “تحترم ما جاء في النموذج التنموي الجديد في الجانب المجالي”، مورداً أن “المملكة تحتاج هذه المشاريع الإستراتيجية لكونها مقبلة اليوم على استثمارات كبيرة ومجموعة من الإجراءات استعداداً لاستضافة تظاهرات كروية من قبيل كأس العالم سنة 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال”، وتابع: “تصور الحكومة واضح وقوي ونثمنه رغم وجود ملاحظات حول السياسات العمومية في قطاعات أخرى”.
تحدي الآليات
الطيب أعيس، محلل اقتصادي، ذكر أنه من الناحية المبدئية تعدّ هذه الاستثمارات المعلنة مهمة، وحتى من خلال إعلان أنها ستخلق فرص شغل نحتاجها، مستدركا بالقول: “من ناحية أخرى لا يعتبر هذا كافيا لمعالجة إشكالات بنيوية يعاني منها الاقتصاد المغربي اليوم، بسبب صعوبات كثيرة مطروحة أمام المستثمرين الخواص والتعقيدات البيروقراطية التي مازالت متواصلة رغم الحديث عن التعاطي معها”.
وأورد أعيس، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “يمكن للحكومة أن تقول أي رقم ممكن، فلا شيء يمنع الحديث”، وتساءل: “لكن هل هناك اليوم آليات لمعرفة مدى تحقق هذه الالتزامات على أرض الواقع؟”، ثم أبرز أن “خلق فرص الشغل بدوره يتطلب نقاشا مستفيضا، بما أن بلاغ رئاسة الحكومة يتحدث عن فرص شغل مباشرة أكثر من الأخرى غير المباشرة، في وقت العكس هو الذي يتعين أن يكون هدفاً ورهاناً”.
وأردف المتحدث عينه: “لو خلقنا 10 آلاف منصب شغل مباشر فلابد أن يتحقق تبعاً لذلك خلق 20 ألفا غير مباشرة، لكون أي قطاع سيدفع لاستفادة جميع الفاعلين المتدخلين فيه حين يضمن ديناميته العادية”، وزاد: “لهذا يجب أن تفصح الجهات الرسمية حول الآليات المعتمدة وكذا إمكانيات الحديث عن المحاسبة لاحقاً؛ لنرى بعد سنة أو أكثر مآل تلك التعهدات وهل فرص الشغل كلّها مصرح بها لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهل آتت النتائج المرجوّة منها”.