تعد العلاقات بين المغرب ودول الخليج نموذجا للعلاقات الاستراتيجية بين البلدان المسلمة، والتي تعكس تاريخا ممتدا من التعاون والاتحاد في مواجهة مختلف التحديات. ولم تقتصر هذه العلاقات على التعاون في المجالات الحيوية فقط؛ بل امتدت لتشمل دعم كل طرف بشكل راسخ وغير مشروط للقضايا المصيرية والحيوية للطرف الآخر، وعلى رأسها قضية الصحراء ومختلف القضايا الأخرى التي تهم أمن وسيادة دول الخليج العربي.
في هذا الصدد، شدد البيان الختامي للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي، في دورته الـ45، الأحد الماضي في الكويت، على “أهمية الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين مجلس التعاون والمملكة المغربية الشقيقة، وتنفيذ خطة العمل المشترك”، مؤكدا في الوقت ذاته مواقف المجلس وقراراته الثابتة الداعمة لمغربية الصحراء، والحفاظ على أمن واستقرار المملكة المغربية ووحدة أراضيها، دون أن يفوته الإشادة بمضامين قرار مجلس الأمن الأخير بشأن قضية الصحراء.
بالموازاة مع ذلك، ظلت المملكة المغربية ملتزمة تجاه قضايا منطقة الخليج وانشغالات دولها السياسية والأمنية؛ فهي ترفض الاحتلال الإيراني لجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى، وتدعم السيادة الإماراتية عليها. كما سبق لها أن شاركت في عملية “عاصفة الحزم” في اليمن، التي أطلقتها السعودية في عام 2015 لدعم القوات الحكومية اليمنية في مواجهة ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، استنادا إلى رفض الرباط محاولات طهران التدخل في الشؤون الداخلية وانتهاك حرمة وسيادة مملكة البحرين.
دعم لا مشروط وضربة للخصوم
تفاعلا مع الموضوع ذاته، قال عباس الوردي، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن “دول مجلس التعاون الخليجي تربطها علاقات متجذرة مع المملكة المغربية، وعرفت زخما كبيرا في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، إذ كان المغرب من أوائل الداعمين لاستقلال الدول الخليجية، وزادت هذه العلاقات زخما تحت قيادة الملك محمد السادس”، مضيفا أن “الدعم الخليجي اللامشروط للوحدة الترابية المغربية يؤكد أن القيادات الحالية في الخليج تضمن وتكرس التوجه الذي بدأه أسلافها”.
في هذا السياق، أشار الوردي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى “خطاب الملك محمد السادس في قمة الرياض في سنة 2016، الذي أكد من خلاله أن أمن المغرب من أمن الخليج”، مسجلا أن “المملكة المغربية والدول الخليجية عملت على تجسير علاقاتها في إطارها المتعدد الأطراف وكذا الثنائي، على أساس التنمية المشتركة والتعاون الأمني، وتدعيم الكفيلة بالمضي قدما في هذا التوجه الاستراتيجي”.
وبيّن أن “تذكير البيان الختامي الصادر عن المجلس الأعلى في دورته الخامسة والأربعين بقرار مجلس الأمن الدولي الأخير حول قضية الصحراء، يشكل إشارة واضحة إلى أن الدعم الخليجي لسيادة المغرب على كامل ترابه الوطني مستمر في إطار الشرعية الدولية؛ وبالتالي تكريس المسار التعاوني مع الرباط، الذي يتجاوز الحدود الجغرافية في إطار الاحترام المتبادل والدفاع المشترك عن المصالح المشتركة”، معتبرا أن “تأكيد دول مجلس التعاون الخليجي على هذا التوجه ينذر باستمرار العلاقات المغربية الخليجية التاريخية في اتجاه بناء مصير الأجيال الحالية والمستقبلية في إطار وحدوية المطالب ووحدة المصير، وعلى أسس المنافع المتبادلة والاحترام التام لسيادة الدول”.
وخلص إلى أن “الزخم الذي تعرفه العلاقات بين الدول الخليجية والمغرب، ودفاعها المستميت في المنصات الإقليمية والدولية عن سيادة ووحدة أراضي المملكة يفند مزاعم خصوم الوحدة الترابية، خاصة الجزائر، ويضرب بعرض الحائط محاولاتها البائسة لنفس هذه العلاقات عبر سياسة المكائد”، مشيرا إلى الدعم الخليجي التاريخي لوحدة الأراضي المغربية من خلال حضور قادة خليجيين ملحمة المسيرة الخضراء لاسترجاع التراب الوطني وطرد المستعمر الأجنبي.
مواقف مبدئية وتصديات خليجية
البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، قال إن “تجديد دول الخليج العربي لمواقفها المبدئية والثابتة من الوحدة الترابية للمملكة المغربية يؤكد بشكل جلي على عمق العلاقات المشتركة بين المغرب ودول الخليج، كما يبرز بوضوح الفشل الدبلوماسي الجزائري في اختراق مسرح عمليات الخليج للترويج للأطروحة الانفصالية، في ظل العلاقات الأخوية والاستراتيجية التي تربط مختلف عواصم الخليج بالمملكة المغربية”.
وأضاف البراق أن “الفشل الجزائري في الخليج العربي هو نتيجة حتمية لغموض مواقفها من الأمن الخليجي، والتباس قراراتها دبلوماسيا إزاء العديد من الملفات العربية المحسومة سياسيا في إطار الإجماع العربي؛ كالموقف من التوغل الإيراني، ومحاولة نظام ولاية الفقيه زعزعة استقرار الدول العربية، وبشكل خاص الخليجية بحكم القرب الجغرافي والتماس الجيوسياسي”.
وتابع بأن “العلاقات المغربية الخليجية لم تتوقف يوما ولم تفقد يوما هويتها الأخوية وطابعها التضامني، إذ ظل الجسم الخليجي وفيّا لسيادة المغرب ولوحدته الترابية، حيث تصدى في سنوات السبعينيات والثمانينيات لمحاولات ليبية وجزائرية وسورية لضم الكيان الوهمي إلى منظمة الجامعة العربية. كما أن كل القرارات العربية المنبثقة من مجلس التعاون الخليجي وهيئاته التقريرية ظلت على عهدها ووفائها والتزامها بالوحدة الترابية للمملكة المغربية”.
وبيّن المصرح لهسبريس أن “منطقة الخليج العربي أصبحت مركز ثقل دبلوماسي عالميا، حيث استطاعت أن تتحول من منطقة تماس جيوسياسي بين المحاور الكبرى إلى أحد الممرات الدبلوماسية الآمنة لأزمات العالم، وتحولت بعض العواصم الخليجية، كأبوظبي والرياض، إلى منتديات سياسية واقتصادية مفتوحة لبحث حلول متعددة الأطراف لإشكالات عالمية كبرى؛ مثل السلام والتطرف والجماعات الانفصالية وغيرها من التحديات العالمية”، مؤكدا أن “التعاون المغربي الخليجي تُعززه أيضا مواقف الرباط الواضحة والمبدئية فيما يخص سيادة دول الخليج ومواقفها إزاء التحرشات الإيرانية في المنطقة”.