في ظل الجهود المتزايدة التي تبذلها السلطات الأمنية المغربية بتنسيق مع نظيرتها الإسبانية لمحاصرة الأنشطة الإجرامية المرتبطة بتهريب المخدرات، تتجه العصابات الدولية التي تنشط في هذا المجال إلى تطوير أساليب وطرق التهريب من أجل التحايل على الرقابة الأمنية المشددة ومواصلة أنشطتها؛ بما في ذلك استعمال الطائرات المسيرة لنقل المخدرات من المغرب إلى إسبانيا، إذ يشير ذلك إلى مستوى التعقيد الذي بلغه تهريب المخدرات، مما يستدعي تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين وتطوير تقنيات الرقابة لمواكبة هذه “الابتكارات الإجرامية”.
وأعلنت وزارة الداخلية الإسبانية، أمس الخميس، عن تفكيك شبكة إجرامية متخصصة في نقل “الحشيش” من المملكة المغربية إلى إسبانيا ومنها إلى باقي أوروبا، باستخدام طائرات مسيرة جرى تصنيعها في أوكرانيا ونقلها إلى جنوب البلاد. وأشارت الوزارة إلى القبض على 10 أشخاص وإجراء عمليات تفتيش في الجزيرة الخضراء وماربيا؛ وذلك في إطار تحقيق مشترك بين الشرطة الإسبانية والأوروبية والسلطات في كل من بولندا وأوكرانيا.
وفي هذا الصدد، قال الحسين أولودي، باحث في الجغرافيا السياسية والقضايا الأمنية، إن “السلطات الأمنية المغربية، وبتنسيق مع نظيرتها الإسبانية، فرضت حصارا محكما على أنشطة عصابات التهريب الدولي للمخدرات في البحر الأبيض المتوسط؛ وهو ما دفع هذه العصابات الإجرامية إلى ابتكار أساليب وطرق جديدة لنقل المخدرات، ومنها استعمال الطائرات المسيرة”.
وأضاف أولودي، متحدثا لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “توظيف طائرات الدرون يشكل تطورا خطيرا في أساليب عمل هذه العصابات؛ وهو ما يفرض على كل من السلطات في المغرب وإسبانيا تحديات تستوجب رفع مستوى التنسيق والتعاون تماشيا مع هذا المستجد”، مشيرا إلى أن “عصابات التهريب الدولي للمخدرات تسعى إلى إعادة الزخم لعملياتها الإجرامية باستخدام تكتيكات جديدة ومتطورة، خاصة بعدما أدت الحملات الأمنية المشتركة بين البحرية الملكية والحرس المدني الإسباني إلى محاصرة أنشطتها التقليدية”.
وبيّن المتحدث ذاته أن “السلطات الأمنية المغربية، بما في ذلك المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، تبذل جهودا جبارة في مكافحة الجريمة المنظمة، بما في ذلك الاتجار الدولي بالمخدرات؛ وهو ما أسفر عن عدد من العمليات النوعية”، مشددا على أهمية “تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين مدريد والرباط على هذا المستوى من أجل الحد من نشاطات عصابات تهريب البشر والمخدرات والممنوعات بكل أشكالها عبر المتوسط، الذي شهد في السنوات الأخيرة بروز عدد من التحديات الأمنية التي تهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي لدول المنطقة”.
من جهته، قال محمد شقير، باحث في القضايا الأمنية، إن “العصابات التي تتاجر في المخدرات تستخدم مختلف الأساليب لتسهيل أنشطتها؛ فقبل الطائرات المسيرة استُخدمت الزوارق السريعة والدراجات المائية وغيرها، وذلك للتمويه والالتفاف على المراقبة المشددة”، مضيفا: “كلما شددت السلطات في المغرب وإسبانيا خناقها ومراقبتها للسواحل، كلما بحثت هذه العصابات عن أساليب وتقنيات جديدة للتهريب”.
وأوضح شقير، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه العصابات تمتلك إمكانيات مالية ضخمة تتيح لها شراء أحدث وسائل النقل، إذ إن أسلوب استعمال الطائرات المسيرة لن يكون الأول ولا الأخير على الأرجح، خاصة بعدما تم كشفه”، معتبرا أن “عصابات التهريب الدولي للممنوعات تحاول استغلال مميزات الطائرات المسيرة، مثل السرعة والخفة، بالرغم من أنها لا تنقل إلا كميات قليلة من المخدرات مقارنة بوسائل أخرى”.
وخلص إلى أن “الإجراءات الأمنية المشددة التي يفرضها المغرب، والتي أسفرت عن إحباط مجموعة من عمليات تهريب المخدرات في المنافذ البرية والبحرية، إضافة إلى رفع مستوى التنسيق بين المؤسسات الأمنية المغربية ونظيرتها الإسبانية في السنوات الأخيرة، وتزويد بحريتي البلدين بأحدث تقنيات المراقبة والخفر كلها عوامل دفعت شبكات تهريب المخدرات في المنطقة إلى البحث عن طرق بديلة وتنويع أساليبها للتحايل على هذه الإجراءات. وقد يكون استعمال الطائرات المسيرة مجرد تمويه أو في إطار التجريب”.