يُعدُّ اعتقال الكاتب الجزائري بوعلام صنصال دليلاً واضحاً على مدى قمع السلطات الجزائرية لأي صوت يعارض الرواية الرسمية للنظام، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية الحساسة. وقد جاء اعتقال صنصال مباشرة بعد تصريحاته المثيرة للجدل في مقابلة مع قناة إلكترونية فرنسية، حيث أشار إلى أن الصحراء الشرقية التي تضم مناطق مثل تندوف وبشار، تعود تاريخياً إلى المغرب قبل أن يتم ضمها للجزائر خلال فترة الاستعمار الفرنسي. تصريحات صنصال استندت إلى وثائق تاريخية وخرائط تعود لما قبل الاحتلال الفرنسي، والتي تُظهر هذه المناطق تحت السيادة المغربية.
والظاهر أنّ النظام الجزائري، الذي يعاني من أزمات داخلية عميقة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، اعتبر تصريحات صنصال تهديداً للوحدة الوطنية، وقرر متابعته بتهم تدخل في قانون الإرهاب. هذه الخطوة جاءت في سياق قمع أوسع لحرية التعبير في الجزائر، حيث تعرض العديد من المثقفين والصحفيين للاعتقال في السنوات الأخيرة. يُذكر أن الصحراء الشرقية أُضيفت إلى الجزائر ضمن مشروع استعماري فرنسي لتوسيع الحدود الجزائرية التي كانت تحت الإدارة الفرنسية، ما أثار نزاعات لاحقة مع المغرب، لا سيما بعد الاستقلال في 1962.
بوعلام صنصال، المعروف بانتقاداته للنظام العسكري في الجزائر، ليس المثقف الأول الذي يواجه التضييق. إذ سبق أن تم اعتقال صحفيين مثل خالد درارني وإحسان القاضي، إضافة إلى تعرض كتّاب مثل كمال داود لملاحقات قانونية. النظام الجزائري يستخدم قوانين فضفاضة مثل “الإضرار بالوحدة الوطنية” و”قانون الإرهاب” كأداة لإسكات الأصوات الناقدة، مما جعل البلاد واحدة من أكثر الأنظمة القمعية في المنطقة والعالم.
تصريحات صنصال، التي أعادت طرح ملف الصحراء الشرقية المغربية المحتلة من قبل الجزائر، ألقت الضوء على العلاقة التاريخية بين المغرب وتلك المناطق، حيث استندت إلى وثائق تؤكد ولاء قبائل الصحراء لملوك المغرب قبل الاحتلال الفرنسي. والخرائط التي تعود إلى ما قبل القرن العشرين، ومعاهدات تاريخية مثل اتفاقيات البيعة التي قدمتها القبائل الصحراوية للسلاطين المغاربة، تُعد دليلاً على مغربية هذه الأراضي. هذا الطرح يمثل إحراجاً للنظام الجزائري الذي يعتبر هذه القضية خطاً أحمر، ويدفع باتجاه قمع أي محاولة لإعادة النظر في التاريخ أو تصحيح الروايات الرسمية.
اعتقال صنصال أثار ردود فعل دولية، خاصة في فرنسا، نظراً لكونه يُعتبر من الأصوات الأدبية البارزة التي دافعت عن القيم الإنسانية وحرية التعبير. المنظمات الحقوقية الدولية استنكرت هذه الخطوة، معتبرةً أنها تضاف إلى سجل الجزائر الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان.
التحرك ضد صنصال يُبرز تناقض النظام الجزائري، الذي يدعي دعم حركات التحرر، بينما يقمع بشدة أي صوت يدعو إلى مراجعة التاريخ أو التعبير عن الرأي بحرية. هذا التصرف يعكس أزمة الشرعية التي يعاني منها النظام، حيث يعتمد بشكل أساسي على القضايا القومية لتشتيت الانتباه عن الأوضاع الداخلية المتردية. تصريحات صنصال حول الصحراء الشرقية كشفت عن قضية تاريخية وجغرافية مسكوت عنها، وهي أن الصحراء الشرقية كانت جزءاً من السيادة المغربية قبل أن تُضاف للجزائر بشكل غير قانوني خلال فترة الاستعمار الفرنسي.
هذا، ويؤكد اعتقال بوعلام صنصال أن النظام الجزائري مستمر في قمع حرية التعبير للتغطية على أزماته الداخلية، خاصة تلك المتعلقة بالشرعية السياسية والسيطرة على الموارد. في ظل وجود أدلة تاريخية تدعم مغربية الصحراء الشرقية، تظل تصريحات صنصال شاهداً على عمق الأزمة الجزائرية مع تاريخها وحدودها.