اتسمت المفاوضات هذا العام بالصعوبة وشاب مراحلها بعض التعثر، بل وُصفت أيضا بأنها الأكثر جدلاً مقارنة بسابقاتها من قمم المناخ، واستغرقت قضية الالتزامات المالية غالبية الجهد مع تمديد أيام المؤتمر، وتركز الخلاف حول الحصيلة النهائية لصندوق الاستجابة للأضرار خلال السنوات العشر المقبلة (2025-2035) وتحديد الدول التي يجب أن تدفع ومن أي مصادر يجب توفير الأموال. وأكد اقتصاديون وناشطون، خلال حوارهم مع "البوابة"، أن الدول النامية كانت تضغط لتحقيق هدف تمويلي جديد لا يقل عن تريليون دولار سنوياً بحلول نهاية العقد، مشيرين إلى أن هذا الرقم لا يمثل سوى 1% فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ومتسائلين: "هل هذه النسبة كثيرة جداً أمام هدف إنقاذ الأرواح؟".
وقد بذلت مصر وأستراليا جهوداً مكثفة بالتعاون مع الرئاسة الأذربيجانية في قيادة مشاورات الهدف الجديد للوصول لمنطقة توازن بين مختلف وجهات النظر. وأشادت العديد من الدول بهذه القيادة الناجحة لمفاوضات كوب 29. وسلمت وزيرة البيئة د. ياسمين فؤاد مع شريكها الأسترالي إلى رئاسة المؤتمر نتائج قيادتهما لمشاورات الهدف الجماعي الجديد للتمويل. ولفتت إلى أن الأهم في عملية مشاورات التمويل ليس فقط الوصول إلى رقم طموح وحشد الموارد و"لكن بث الثقة في العمل متعدد الأطراف لدى الدول النامية". ولعل هذه "القيمة" التي نبهت إليها وزيرة البيئة يمكن ملاحظتها بوضوح في أروقة المؤتمر حيث تتفاوض الوفود لأول مرة وجهاً لوجه وتتعاون لتحقيق هدف نبيل في النهاية، وهو إنقاذ البشرية مستقبلاً من تداعيات كارثية للتغير المناخي.
وكان مؤتمر الأطراف قد تقرر تمديده أوقاتاً إضافية عكست مواقف هي الأكثر توتراً وضغوطاً في عمر المؤتمر، حتى ظهر اقتراح جديد حول صفقة (كوب 29) يقضي بزيادة هدف التمويل العالمي إلى 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2035، بعد توصل المناقشات الممتدة إلى موافقة الولايات المتحدة ودول غنية أخرى، مثل بريطانيا وأستراليا وألمانيا، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، على زيادة التمويلات بقيمة 50 مليار دولار أخرى سنوياً لتصل الحصيلة الجديدة إلى 300 مليار دولار، ارتفاعا من 250 ملياراً وفقاً للمسودة الأولية التي أعلنتها الرئاسة الأذربيجانية. مع ذلك، استمر رفض الدول النامية لهذا المقترح الجديد من الدول الغنية، مطالبين مجدداً بمبلغ 1.3 تريليون دولار سنوياً حتى عام 2035، لتتمكن من التخلص من الوقود الأحفوري والتكيف مع ظاهرة احترار المناخ. وهذا الضغط في رأي مراقبين للمفاوضات استهدف التوصل لاتفاق نهائي "وسطي" بقيمة 500 مليار دولار سنوياً. لكن المؤتمر توصل أخيراً إلى اتفاق يوفر تمويلاً سنويا لا يقل عن 300 مليار دولار للدول النامية التي كانت تطالب بأكثر من ذلك بكثير لمكافحة التغير المناخي.
وقد واجهت الرئاسة الأذربيجانية تحديات كثيرة طيلة المفاوضات، في محاولة الإمساك بالعصى في المنتصف لتقريب وجهات النظر المتضاربة، حيث رفضت الدول الغنية والفقيرة على حد السواء عدة مشاريع للاتفاق، بل ظهر الانقسام للعلن بشأن المفاوضات، خاصةً بشأن دور الولايات المتحدة، أكبر مصدر تاريخي لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، قبل عودة الرئيس ترامب المتشكك تجاه قضايا المناخ إلى البيت الأبيض. ومن وراء أبواب قاعات المفاوضات المغلقة، ظلت الأخبار تردُ إلى المركز الصحفي حول "حلف الرافضين" لرفع سقف التمويلات عن 300 مليار سنوياً، والذي يضم أيضا كلاً من ألمانيا والاتحاد الأوروبي، ودول أخرى ضمن مجموعة العشرين. وقد لعبت هذه المجموعة دورًا معوقًا للتقدم نحو الهدف التمويلي. وقد تدخلت مصر وأستراليا مجدداً لتقريب وجهات النظر للحيلولة دون فشل المؤتمر للخروج باتفاق. كما تدخلت الإمارات لدفع دول بترولية إلى الالتزام بالمرحلة الانتقالية، وهي بذلك تدافع عن إنجازها العام الماضي والمتمثل في الإجماع للمرة الأولى على الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
وقد أدى تمديد عمر المؤتمر إلى تغييرات كثيرة على التفاصيل اللوجستية التي أضافت أعباء على الدولة المنظمة والمشاركين، من ضمنها حجز الفنادق والرحلات الجوية، إضافة إلى توفير التنقلات وإتاحة الطعام في الملعب الأولمبي بعد أن أنهى الكثير من موردي الخدمات والمأكولات عملهم مساء الجمعة فيما كان العمل قد بدأ بالفعل في تفكيك مكان انعقاد المحادثات.
جدير بالذكر أن المجتمع المدني أعلن عن إطلاق أول "منصة للمنظمات غير الحكومية" للعمل المناخي في بلدان الجنوب العالمي كشبكة لتبادل أفضل الممارسات ودفع التنمية المستدامة. جاء إعلان المنصة بعد إصدار وثيقة وقع عليها 1023 ممثلاً عن المنظمات غير الحكومية والناشطين من 137 دولة تغطي أكثر من 70% من بلدان العالم. كما وقع السفير مصطفى الشربيني، رئيس وفد مراقبي سفراء المناخ اتفاق تعاون مهماً مع المنظمة الأذربيجانية-العربية للتعاون برئاسة يلشين علييف لبناء القدرات في مجال حلول الاستدامة وآليات تعديل حدود الكربون إلى جانب حساب البصمة الكربونية للمصانع والشركات.
ومع توديع "البوابة" للمؤتمر، كانت رسالة وفود من مجموعة الـ77 (دول الجنوب مع الصين) وناشطي البيئة، ممثلي 355 منظمة غير حكومية، بأن الأمل يظل موجوداً في شروق يوم جديد، مؤكدين أن تحقيق العدالة المناخية هدف يستحق أن يقاتل من أجله الجميع لإنقاذ المستقبل، وأن المحصلة النهائية للتمويل المناخي، مهما كانت لا تقارن بالطموح ولا ينبغي سد الفجوة بالقروض لأن البلدان النامية غارقة في الديون، ويستوجب الأمر استكمالها بمصادر تمويل أخرى، على سبيل المثال من خلال سوق الانبعاثات الكربونية، حيث يدفع الملوثون مقابل تعويض ما يطلقونه من انبعاثات، عاقدين العزم على مواصلة الجهود نحو العدالة المناخية للدول النامية والفقيرة الأقل مسئولية عن تغير المناخ بينما الأكثر تعرضا للآثار السلبية الناتجة عن الانبعاثات الملوثة.