ما يزال لجوء الحكومة المغربية إلى تخفيض رسوم استيراد العسل إلى 2.5 في المئة خلال السنة المالية المقبلة، لتلبية احتياجات السوق الوطنية من هذه المادة الحيوية، يثير النقاش في أوساط المعنيين؛ إذ بعدما حذر مربو النحل من “الضرر المرتقب للقرار على المنتج الوطني وعلى التعاونيات”، أبى حماة المستهلك إلا أن ينبهوا إلى أن “غالبية العسل المستورد في المغرب يكون مغشوشا، خصوصا القادم من الأسواق الآسيوية”.
وأوضح حماة المستهلك، الذين تحدثوا لهسبريس، أن تشجيع الاستيراد من خلال هذا التحفيز الضريبي دون مراقبة صارمة سيؤدي إلى إغراق السوق المغربية بالمنتج المستورد من الأسواق سالفة الذكر، ما ينطوي على “خطر كبير على صحة المستهلك، نظرا لكون هذا المنتج غالبا ما يكون عسلا قيد الخلط، يحتوي على نسب مهمة من السكر”.
وعلى هذا الأساس، يعارض قسط من هؤلاء تماما السماح بخلط المنتج المستورد بالمنتج المحلي، لأنه “ينطوي على غشٍ فادح، ويؤدي إلى استحالة تتبع ومراقبة احترام الأول لمعايير الجودة والسلامة الصحية”. بينما يعتبر البعض الآخر أن “الظروف الحالية لا تسمح بتغيير المادة 10 من المرسوم رقم 2.17.463 الصادر بتاريخ 14/11/2017، التي تسمح بهذا الخلط، ولذلك فمن الضروري، على الأقل، الصرامة في مراقبة عدم استغلالها من قبل المهنيين للتدليس، بتخصيص نسب تقل عن 50 في المئة من العسل المحلي لخلطه مع المستورد، وتسويق المزيج على أنه منتج مغربي”.
وتقضي المادة سالفة الذكر بضرورة عنونة حاويات العسل بـ”مزيج من عسل المغرب وعسل مستورد” في حال تم مزج المنتجين المحلي والمستورد. غير أنها تمنع “الإشارة في بطاقة العنونة إلى بيان مزيج من عسل المغرب وعسل مستورد إلا إذا كانت نسبة العسل المنتج في المغرب تفوق 50 في المئة من إجمالي المزيج المذكور. وفي حالة العكس، يجب أن تتضمن بطاقة العنونة البيان: “عسل مستورد”.
“غش فادح”
أوضح بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أن “الدولة بذلت، في إطار مخطط المغرب الأخضر، مجهودات كبيرة لدعم الإنتاج المحلي من العسل وتشجيعه. وعلى هذا الأساس، فإن تخفيض رسوم استيراد هذه المادة الحيوية يجب أن يضمن حماية المنتج المحلي من المنافسة غير الشريفة ومن التلاعبات، لا سيما وأن العسل من بين أكثر المواد التي يسهل فيها الغش”.
وأوضح الخراطي، من منطلقه كطبيب بيطري، أن “جل المنتج المستورد لا يستجيب لمواصفات العسل الحر، خصوصا ذلك الذي ينتج من قبل الدول الآسيوية، والذي يكون غالبا عسلا قيد الخلط (Analog)”، موضحا أن “الخطورة تكمن في كون المغرب لا يمتلك مختبرات للتحقق من كون المنتج القادم من هذه الدول عسل المناحل أم عسل المصانع، ما يجعل استيراده يعني استهلاك المواطن المغربي منتجا يحتوي على نسبة كبيرة من السكر”.
وبخصوص “إمكانية تشجيع تخفيض رسوم الاستيراد لتسويق منتج يحتوي على أقل من 50 في المئة من العسل المغربي على أنه منتج محلي”، أوضح الخراطي أن “الجامعة هي أساسا ضد سماح المرسوم بالخلط”، مبرزا أن “استقدام المنتج المستورد من العسل analog وخلطه بالعسل المحلي، ينطوي على غش فادح”، بتعبيره.
وشدد رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك على أن “الإنتاج المحلي من هذه المادة غير كافٍ، ولكن تشجيع استيراد العسل الأجنبي بتخفيض الضريبة المفروضة عليه، دون مراقبة لاحترامه معايير الجودة والسلامة وعدم كونه مغشوشا، ينطوي على إضرار واضح بصحة المستهلك المغربي”. كما لفت إلى أن “من غير المقبول استيراد العسل المخلوط بالسكر، في الوقت الذي يصل المعدل السنوي لاستهلاك المغربي من السكر أساسا إلى 33 كيلوغراما، ما أدى إلى استفحال أمراض السمنة والسكري”.
تشديد المراقبة
بوجمعة موجي، نائب رئيس جمعية حماية المستهلك بالدار البيضاء، أوضح أن “المغرب عانى من سنوات جفاف متوالية أدت إلى تدهور إنتاجه المحلي من العسل، بل إن النحل بدوره انقرض من عدة مناطق بسبب العديد من الأمراض. وعلى هذا الأساس، فإن تشجيع استيراد هذه المادة الحيوية، مثلما هو الشأن بالنسبة لمواد أخرى، أمر مفهوم، بل ضروري”. وأضاف أن “ما نشدد عليه في الجمعية هو تشديد المراقبة على المنتجات المستوردة وتوفرها على شهادات الجودة والسلامة الصحية”.
وأكد موجي، في تصريح لهسبريس، “وجود انتشار كبير للغش في مادة العسل في المغرب، بحيث من النادر جدا أن يجد المستهلك المغربي عسلا حرا أصيلا”، معتبرا أن “موقف الجمعية هو أن الخلط بين العسل المستورد والمحلي لا يجب أن يكون أساسا. إلا أنها تشدد على الأقل على ضرورة تفعيل المراقبة الصارمة لمنع تحول تشجيع الاستيراد إلى محفز للموردين على تجاوز النسب التي يجب أن يحضر بها العسل المحلي ضمن المنتج لتسويقه على أساس مزيج بين العسل المستورد والآخر المحلي”.
وأوضح نائب رئيس جمعية حماية المستهلك بالدار البيضاء أنه “ربما هناك حاجة لتغيير المادة سالفة الذكر من المرسوم، نظرا لأن العسل يجب أن يبقى حرا حتى يستفيد المستهلك المغربي من منافعه الصحية كما أكد عليها القرآن الكريم”. لكنه استدرك قائلا: “في الظروف الحالية، لا يمكن القيام بهذا الأمر، ولكن على الأقل يتعين في الوقت الحالي احترام مقتضياتها من طرف الموردين”.
ودعا موجي إلى تشديد المراقبة على “الأثمنة التي سيتم تسويق العسل المستورد بها للمستهلك المغربي، إذ يجب أن تعكس هذه الأثمنة حجم التخفيضات الضريبية التي استفاد منها المستوردون”. كما استحضر في هذا الصدد أن “تجربة دعم استيراد الأضاحي لم تكن ناجعة، بحيث سوقت هذه الأخيرة بأثمنة تتجاوز طاقة المستهلك المغربي، وهو السيناريو الذي لا ينبغي تكراره مع استيراد العسل أو غيره من المنتجات الحيوية الأخرى كزيت الزيتون”.