بصيغة السؤال والجواب، وأسلوب حكائي، يقدم كتاب جديد بعنوان “من هو سِّي البكاي” قصة أول وزير أول مغربي بعد الاستقلال، امبارك البكاي الهبيل، ضمن “سلسلة أعلام المغرب” التي تنشرها دار “مرسم”.
هذا النص التاريخي، الذي ترافقه رسومات توضيحية لمحمد خراط، أعدته ابنة البكاي، نعيمة لهبيل التاجموعتي، الأستاذة الجامعية عضو مجلس إدارة الصندوق الدولي للنهوض بالثقافة في “اليونسكو”، ورئيسة الجمعية الثقافية الأمريكية بالمغرب، وترجمه إلى اللغة العربية توفيق سخان.
وتبدأ القصة منذ احتلال فرنسا المغرب ودولا أخرى مطلع القرن العشرين، ومعارك المقاومة، ودور الأب المغربي في تلك الفترة في تعليم ركوب الخيل واستعمال البندقية، قبل اختطافِ والد البكاي وهو في السابعة من العمر، وقتله من طرف رجال يتحدثون الفرنسية سنة 1914، سنتين بعد توقيع “معاهدة الحماية”.
وبعد مسار دراسة وتكوين ومسؤوليات تصل الحكاية إلى “الإسهامات غير المعروفة لـ سّي البكاي في التاريخ العام لتفكيك الاستعمار في المغرب”، وتقول: “في 21 ماي 1953 سلم الباشا الكلاوي ملتمسا إلى المقيم العام وقع عليه 187 شخصا من الباشاوات، والقياد، والقادة الدينيين، والأعيان. كان الباشا الكلاوي يهيئ لانتقامه منذ أن طرده السلطان من القصر قبل سنتين (…) وفي إطار حملته لحشد الأعيان حول مشروعه اتصل بالبكاي سنة 1951، لكن الأخير رفض طلبه”.
هذا الملتمس الذي كان ينتقد السلطان لأنه “أصبح سلطان حزب الاستقلال”، وبذلك “ينحرف عن مبادئ الدين الإسلامي”، عارضه أربعة باشوات: “الفاطمي بنسليمان من فاس، أحمد جنان من مكناس، محمد الصبيحي من سلا، وامبارك البكاي من صفرو”، بل “أصدروا إعلانا يؤكدون فيه على ارتباطهم بسيدي محمد بن يوسف”.
ومن الكتابات الفرنسية ما أورد في تلك الفترة: “لقد منحت شخصية البكاي، باشا صفرو، طابعا خاصا لهذا الإعلان. ثمة شعور بالحرج في الإقامة العامة. معاق حرب سابق، ورئيس أو نائب رئيس العديد من الجمعيات أو الوداديات.. يعتبر البكاي كقائد له تأثير على المحاربين المغاربة القدامى”.
ويتابع الكتاب سرد قصة “سي البكاي” الذي “تخلى عن منصبه في صفرو؛ لم يعد الباشا البكاي، وسيصبح منذئذ معروفا باسمه الشخصي سي البكاي.. ترك عائلته وراءه، متحمس، مخلص وشجاع على أرض المعركة في فاندريس سنة 1940، كان قد خاض الحرب ضد الألمان لتحرير فرنسا؛ ثلاث عشرة سنة بعد ذلك، في باريس وفي فرنسا، تفرغ، جسدا وروحا، للمعركة التاريخية لتحرير المغرب من الاستعمار وعودة السلطان المنفي”.
اختيار معارضة الباشا الكلاوي، أي صوتِ فرنسا ضد السلطان الذي عارضها وانحاز لدعاة التحرر من قيود “الحماية”، كان ثمنه محاصرة منزل البكاي الوظيفي من الشرطة الفرنسية، والمنفى الاختياري دون أجرة، والإقامة الجبرية لعائلته في مبنى لا ماء ولا كهرباء فيه، ووفاة ابنة له في سن الخامسة، لعدم نقلها إلى الطبيب في الوقت المناسب، لحاجة عائلتها إلى ترخيص للذهاب إلى بركان.
هذه الفترة يشهد عليها السياسي المغربي البارز عبد الرحيم بوعبيد، الذي كان ممثلا لحزب الاستقلال بالعاصمة الفرنسية باريس، موردا أن البكاي “رغم أنه لم يكن له أي التزام تجاه حزب الاستقلال فقد كان دوما يبدي نحونا ثقة كبيرة”، وزاد: “قبل اتخاذ أي قرار، أو لقاء مهم، كان يحرص على استشارتي، وفي الغالب كان يدافع عن التوجه المتفق عليه سلفا”.
وبعد فصول تحكي تفاصيل عن “مفاوضات إيكس ليبان”، وعودة البكاي إلى المغرب قبل عودة الملك محمد الخامس، ثم مفاوضات أعضاء “مجلس العرش”، تأتي قصة تكليف الملكِ “سّي البكاي” بـ”تشكيل أول حكومة مستقلة”، بعدما قال الملك في 30 نونبر 1955: “هو الرجل الأكثر أهلية لتشكيل حكومة مغربية. إن هذا التنصيب هو فقط تأكيد لأن كل الشخصيات التي تمت استشارتها اقترحت اسم سي البكاي، ونحن نكلفه بهذه المهمة فإننا لا نقوم سوى بالتجاوب مع رغبات الرأي العام المغربي”.
ويقدم الكتاب في ختامه خلاصات من حياة “سي البكاي” الذي لم تُرو حياته الخاصة إلا حين تقاطعت مع مهامّه العامة، ومن بينها: “في السنة التي وُلد فيها نصب الجيش الفرنسي أول علم فرنسي في قمة جبل تافوغالت، معقل عائلة الهبيل الذي استمر حرا حتى ذلك الحين. أعطى الأب انطلاقة المعركة وخسرها. انتصر الابن، رفقة المحاربين من أجل استقلال المغرب (…) كانت عودة السلطان المنفي إلى عرشه شرط الاستقلال بالنسبة لسي البكاي، كما بالنسبة لمعظم المغاربة. وسيكون أحد حراس العرش خلال الفترة الوجيزة بين تخلي ابن عرفة عن العرش وعودة السلطان سيدي محمد بن يوسف”.
وهكذا “بقي سي البكاي في ذاكرة وقلب المغاربة الذين عاشوا الحماية وتحرير المغرب”، أما الشباب الذين لم يعيشوا الفترة فهذا المنشور يروم “منحهم هاته الذاكرة المشتركة”.