الجمعة 15 نوفمبر 2024 | 04:00 صباحاً
لو كان بيدي الأمر لوضعت شعار رئيسي للمؤتمر العام السادس للصحفيين المصريين، لوضعت شعار "هموم وشجون وأحلام ضائعة" لهذا المؤتمر ولهذا الجيل من الصحفيين المصريين، مع تنصيص كلمة "صحفيين" ووضعها بين هلالين كبيرين، ربما يلاحظ أحد عن من تتحدث فعلياً هذه السطور.
الحكاية ببساطة ودون لافتات جوفاء، هي ضمير أمة ووطن وسلاح هام من أسلحتهما، في زمن صار الإعلام سلاحاً لهدم وبناء دول، والسنوات الماضية، بتعبيرات هادئة، يمكن اعتبارها كانت فترة للفرز، بين الغث والثمين، في لحظات تاريخية طالت وامتدت من عمر مهنتنا وعمر بلادنا، يمكن أن نرفع عليها جميعاً لافتة عريضة تصفها بأنها كانت سنوات "أزمة ثقة" ليس بين الدولة والصحافة فحسب، ولا بين الصحفيين أنفسهم، كنتاج طبيعي لما عاشته مصر كلها من فرز تاريخي، بين من تخندقوا في صف الوطن دون أي مصلحة شخصية، وبين من تخندقوا في خانة العدو من صحفيين وإعلاميين مصريين عاشوا خارج مصر، وبين الفريقين طابور من أصحاب المصالح وأهل الثقة، وانتهى بنا الحال رغم كل المحاولات، لسلاح وأذرع إعلامية مبتورة، لا تحارب بضمير، وإن حاربت كانت هزائمها أكثر من انتصاراتها.
حتى حينما تجاوزنا سوياً "أزمة الثقة"، ولو بطريقة لم يرضَ عنها السواد الأعظم من صحفيي وإعلاميي مصر، إلا أن نفق "شيطنة" المهنة الذي دخلناه ثم حاولنا الخروج منه، كان بالفعل نفق بظلام ممتد رغم كل مشاعل النور التي حاولنا أنارتها.
ويبدو أن تواريخ المؤتمرات العامة للصحفيين دوماً ما كانت تشكل محطات فارقة في تاريخ المهنة، فما بين المؤتمر الرابع للصحفيين عام 2004 وحتى المؤتمر الخامس في 2016، وانتهاءً بالمؤتمر المرتقب خلال أيام، دوماً ما كانت هذه المؤتمرات تأتي في لحظات فارقة من عمر مهنة الصحافة، وليس هناك فترة أكثر ضبابية مثل ما تعيشه المهنة في تلك اللحظة الهامة من تاريخها.
ورغم أن جداول الأعمال تكاد تتشابه، فستظل قضايا الحريات، والأجور، والقوانين المنظمة، قدراً لهذه المهنة، ليس في بلدنا وحدها، بل في كل بلاد العرب.
الحكاية، في ظني المتواضع، أن هذه اللحظة التي تقف فيها مصر، بحدود جغرافية أربعة مهددة فعلياً، وسط تهديد حقيقي لكل ثوابت الأمن القومي المصري، بعد أن مورست عليها كل الأجيال الحديثة من الحروب، والتي كان الإعلام فيها سلاح هدم جبار، وكانت هناك مخاوف حقيقية أتفهمها جيداً في التعاطي الإعلامي الداخلي، وما يمكن أن يحدث لو انزلقت المهنة برمتها في منحدر الحروب غير التقليدية التي دخلتها مصر فعلياً منذ 2011.
ولكن التجربة أثبتت بمنتهى الوضوح، أن في مصر أجيالاً من الصحفيين كانوا على قدر مسؤولية الحدث والحديث، ويملكون من الفهم الحقيقي لأبعاد المرحلة ومخاطرها، وكل التهديدات التي أحاطت ولا زالت تحيط بهذا البلد، ما فاجأ الداخل قبل الخارج والعدو.
وحينما فتحت المؤسسة العسكرية أكاديميتها العسكرية العريقة، للصحفيين، من باب تحصين شبابنا، انتهينا لما يزيد عن تخريج 40 دفعة من دورات الأمن القومي للصحفيين، وعدد لا يستهان به من الزملاء الصحفيين الذين حصلوا على دراسات عليا مرتبطة بالإعلام المقاوم داخل أكاديمية "ناصر" العسكرية، حتى زملائي الذين قاوموا التضييق المهني والوظيفي، كانوا على قدر المسؤولية ولا زالت نقابة الصحفيين المصريين تحتفل كل عام بالعشرات من الزملاء الحاصلين على الدراسات العليا في كل فروع الإعلام.. ببساطة لأن صحفيي مصر بكل مشاكلهم هم نبت مصر الطيب، وضميرها الحي دوماً.
أقول هذا وسط حراك صحفي وإعلامي لا تخطئه العين، سأتحدث فيه فقط الآن عن الشق المرتبط بالمؤتمر العام السادس المرتقب خلال أيام، والذي أراه مشعل نور جديد يضاف إلى عشرات المشاعل التي حاول الصحفيون والدولة أنارتها خلال السنوات القليلة الماضية، وأراه بداية حقيقية لإعلان ميلاد إعلام مصري جديد، على أرضية وطنية صلبة، فقد تعلم الجميع من دروس السنوات العشر الماضية، خاصة لو كان هناك دول بعينها تحاول أن تبحث لنفسها مكاناً تحت الشمس وسط محيطها الإقليمي.. فقط مستخدمة الإعلام والفن كقاطرة للقوى الناعمة، كأحد مفردات قوى الدولة الشاملة.
وإذا كانت مجرد مجموعة قنوات فضائية في فترة قريبة سابقة، كانت هي الدليل الوحيد على وجود دولة، واستطاعت أن تصنع نموذج "الدولة الصغيرة المتنفذة" من خلال الإعلام وحده، وما يجعلنا نضع عشرات من علامات التعجب، أن هذا حدث من خلال سرقة كفاءاتك الإعلامية المصرية، ليقوموا بتنفيذ هذه المهمة الصعبة، وتم تنفيذها باقتدار شديد!
المتأمل في واقع الإعلام العربي كله يستطيع أن يشتم رائحة عرق الصحفيين المصريين في كل إصدار عربي، وكأن قدر مصر أن يحدث فيها دوماً ما يجعلها تخسر واحداً من أهم أسلحتها، من أسلحة القوة الناعمة لها، فما بالنا وهذا قد حدث في لحظة كان يتم فيها ولا يزال استخدام الإعلام المعادي في الحرب ضد مصر؟!
الهموم والشجون كثيرة، والوجع المهني في بلادنا لهذه المهنة يحمل الكثير والكثير، ولكن دعونا نبدأ بداية حقيقية، ربما كان مؤتمر الصحفيين السادس القادم، بمثابة قاعدة فولاذية قوية، يتم وضع مدفعية الإعلام المصري عليها خلال الفترة القادمة، ببساطة لأن مصر تستحق مرة أخرى أن تعود بإعلام الريادة العربية، ليس فقط لأن ذلك حقها التاريخي المؤهلة له، ولكن لأن كامل تراب هذا الوطن لا يزال مستهدفاً ومهدداً، ونحن ندرك ذلك جيداً.
نعم كان الرئيس عبد الناصر محظوظاً بإعلامه، وهكذا أيضاً كان كل رؤساء مصر اللاحقين يمتلكون نفس السلاح، وستظل مصر محظوظة بخيرة الإعلاميين في هذه المنطقة من العالم.
أقول هذا وأنا ابن تجربة صحفية عاصرت خمسة رؤساء لهذا البلد، وأعرف وتعرفون جيداً ماذا حدث على الأقل خلال العقود الأربع الماضية في هذه المهنة، ولست بمعرض الحديث عن سرد تاريخي لا يهوى البعض سماعه، وإنما أتحدث عن لحظة فارقة من عمر مهنة ووطن، ولا يجب أن نخسر هذه اللحظة أبداً.
فلدينا أحلام كثيرة مؤجلة ليست للصحافة وحدها ولكن لمهنة حان الآن موعد أن تكون مشروعاً فكرياً جديداً للدولة المصرية، أذرع عملاقة غير مبتورة للحلم المصري الذي يحاولون إحباطه والتآمر عليه.
سنناقش في مؤتمرنا العام القادم، ملفات قديمة كالحريات والأجور وعلاقات العمل وقوانين العمل، ولكن في تقديري المتواضع، أنه كيف يكون الإعلام والصحافة هما مشروع فكري جديد للدولة المصرية، وليس لنقابة الصحفيين وحدها، هو الهدف الأسمى الذي يجب أن نلتف حوله، وحينها ستتحقق كل الأهداف القديمة، ليس فقط من أجل ممارسة مهنية حرة ولائقة، ولكن لأن هذا ما يليق بمصر الآن أن تكون.
اقرأ ايضا