موازاة مع حديث بنك المغرب المتكرر عن رواج أزيد من 430 مليار درهم من الأموال نقدا في إطار المعاملات المالية بين المغاربة، لفت مهنيون بقطاع التجارة إلى أن القضاء على “الكاش” بهذا القطاع “لا يزال يراوح مكانه”؛ بالنظر إلى أن “معطياتٍ موضوعية لا تزال تقف وراء هذا الأمر، بما لا يوازي طموحات المملكة في هذا الصدد”.
أبرز تمظهُراتِ ذلك، وفق مهنيين، هو “لجوء شركات مختصة في ترويج مواد معينة إلى دفع التجار الصغار والمتوسطين إلى الأداء نقدا وبشكل آني وتشجيعهم على ذلك، بعيدا عن الوسائل الأخرى؛ بما فيها الشيك وحتى الأداء بالبطاقة البنكية”، وهو ما يدخل حسبهم في إطار ما يسمى بـ”البيع التمييزي”؛ عبر “توفير أسعار منخفضة في حالة الأداء نقدا، بما يخدم المصالح الجبائية لهذه الشركات، مقابل توفير أسعار ثابتة في حالة الأداء بشكل رسمي وموثَّق بالفاتورة”، مبرزين أن هناك “إغراء للتجار للإقبال على الأداء بشكل نقدي”.
محمد الهلالي، نائب الكاتب العام للاتحاد المغربي للتجار والمهنيين، قال “إنه وللأسف لا تزال مجموعة من الشركات الفاعلة في مجال التوزيع، بما فيها النشيطة في مجال التغذية العامة، لا تساهم في توجه المملكة نحو القضاء على التخفيف من الأداء النقدي، إذ تحاول فرض الاقتناء بالنقد على المهنيين، بدلا من الشيكات أو حتى البطاقة البنكية؛ وهو في نهاية المطاف نوعٌ من البيع التمييزي والمشروط”.
وأضاف الهلالي، في تصريح لهسبريس، أن “هذه العملية تتمثل أساسا في سعي بعض أو كثير من هذه الشركات إلى الإبقاء على الأداء النقدي كحل وحيد، إذ يتم تقديم تفضيلات بالنسبة للمهنيين في حالة ما أدّوا بشكل آني ونقدي بدلا عن الوسائل الأخرى، في الوقت الذي ينص القانون المنظم لمثل هذه العلاقات على رفض العمليات التجارية المقيّدة بشرط أو شروط”.
كما ذكر أنه “من الأولى والأصح اعتماد الأداء سواء عن طريق الشيك أو حتى عن طريق الأنظمة الإلكترونية، وهو ما يحتاج إلى إعمال الصرامة في القوانين، بعيدا عن أي توجُّه نحو دفع المهنيين إلى أداء مقتنياتهم نقدا، في وقت نتحدث عن سلعٍ تتجاوز قيمتها في بعض الأحيان مليون سنتيم، إذ يتم إيهامهم بأنهم سيعاملون بطريقة تفضيلية وسيتم توفير أثمنة محفّزة لهم”.
من جهته، قال الطيب أيت أباه، عضو سابق بغرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة الرباط سلا القنيطرة، إن “مسألة وجود توجيهات لمِهنيي التجارة من أجل الأداء بشكل نقدي بدلا عن الرقمنة أو حتى الشيكات تساهم في التطبيع مع السوق السوداء والعشوائية بعيدا عن النظام وما تريده الدولة وما تقتضيه محاصرةُ الكاش في هذا الصدد”.
وأضاف أيت أباه، في تصريح لهسبريس، أن “هناك تحفيزا من قبل شركات معينة في التجارة لفائدة التجار على أن يكون أداءُ ما بذمتهم مقابل منتجاتٍ حصلوا عليها منها بالنقد بدلا من أية طريقة أخرى، حيث يكون الهدف الأساسي وراء هذا هو التملّصُ من واجبات الفواتير والضريبة على القيمة المضافة التي يجب على الشركات أداؤها، والتي تقتطع بشكل آني”.
وذكر أن “المهنيين يظهرون في هذا الصدد وكأنهم يُطاردون بعض الوعود من طرف الشركات بتوفير الأثمنة التفضيلية على أنها ستكون كفيلة بتحقيق الربح المزعوم، مما لا يساهم في توحيد أنظمة الأداء ويقوي السوق السوداء وتهرُّبِ فاعلين اقتصاديين من أداء الضرائب”، موردا أن “استراتيجية شركات وفاعلين اقتصاديين في هذا الصدد تنجح في جذب المهنيين بعد أن تُقدم لهم أثمنة في المتناول، مقارنة بالأثمنة التي يتم الإعلان عنها بخصوص الأداء بشكل أوتوماتكي”.
مفصلا في الموضوع أشار العضو السابق بغرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة الرباط سلا القنيطرة إلى أن “عدم وعي التجار بدورهم في السوق كذلك وباعتبارهم قوة مهنية ذات تأثيرٍ في المنظومة ككل يجعلهم يبحثون عن أي فرصة، حتى وإن كانت في غير صالح القطاع ككل، بل في صالح شركات وفاعلين اقتصاديين مُعينين”.
وشدّد المتحدث سالف الذكر على “أولوية تنظيم مختلف المعاملات التجارية بين الأطراف بهذا المجال بشكل واضح، على أساس أن يكون ذلك متماشيا مع جهود الحكومة من أجل خفض معدلات الكاش والتأسيس لمرحلة الرقمنة الشاملة التي ستمكن بدورها من دحر السوق السوداء والتملّص من أداء الضرائب”.