“لا عدالة بدون دفاع”.. “حلّل وناقش هذا المبدأ على ضوء ما درسته في قانون المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية”، هكذا اختار ماستر المهن القانونية والقضائية، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعي في جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، أن يختبر الراغبين في الولوج إليه في مرحلة الامتحان الكتابي. هذا الامتحان أثار “جدلا” وجرى تناقله في صفحات وحسابات كثيرة لكونه يسلّط الضوء، بشكل غير مباشر، على “المعارك” التي تخوضها هيئات الدفاع بالمغرب ضدّ الحكومة.
لا تشير أيّ عبارة ضمن الاختبار، الذي اطلعت عليه هسبريس، إلى هذا “النضال الفئوي” الذي اشتدّ بعد مصادقة مجلس النواب بالأغلبية على مشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية؛ غير أن المبدأ، الذي طُلب من المتبارين لولوج الماستر تفكيكه، يحاكي الشعارات التي رفعتها نقابات المحامين خلال بداية “إضرابهم الشامل الذي أربك التقاضي” وأجّل البت في ملفات وُصفت بـ”الحساسة”.
هيئات المحامين تعتبر مضمون الامتحان دليلا على أن “الجامعة المغربية ما زال في قلبها متسع كبير للانتصار للقضايا العادلة التي ترتفع إلى سقف الجدال العمومي والسجال السياسي والحقوقي”، مع أن تعليقات أخرى حذّرت من “إلباس التعليم العالي بذلة سوداء والانحياز إلى فئات تخوض معارك فئوية بشكل قد يشوّش على المكانة التي يجب أن تظلّ فيها الجامعة: عصيّة على أن تُجرّ إلى متاهات ضيقة”.
“جامعة مواكبة”
الحسين الزياني، رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، قال إن “هذا السؤال يدل على أن الجامعة في قلب الأحداث الوطنية، وفي صميم المشاكل والهموم السارية في الساحة”، مبرزا أن “الشعار موضوعي، فلا يمكن أن نتخيل عدالة بدون محاماة في دولة الحق والقانون؛ فالشعار يعكس نضجا عاليا وانخراطا للجامعة في عملية تمكين قيم المواطنة والعدالة بمعناها الكوني الذي لا يقبل المساس”.
ولم يخف الزياني لهسبريس ما قال عنه “إعجابا شديدا بالسؤال موضوع الامتحان”، مبرزا أنه “يكرّس ما ترافعت عنه هذه الهيئات بأن الدفاع يجب أن يُعتبر مظهرا من مظاهر دولة الحق والقانون، ومظهرا أساسيا يجسد احترام الدولة لمقوماتها”، وزاد: نتساءل عن تصورات الحكومة لمهنة المحاماة، في الوقت الذي نتطلع فيه إلى إدماج وبناء محاماة حقيقية تتماشى مع تطلعات الدولة، وتساهم في بناء مرتكزاتها.
وتابع شارحا: لا يمكننا أن نعتبر معركتنا اليوم معركة بسيطة حول بعض المواد في قانون المسطرة المدنية، بل هي معركة وطن وقانون ومواطن. نريد محاماة حقيقية تساهم في الأهداف الكبرى، إن على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الحقوقي”، وقال: “لا أتصور أن المغرب يمكن أن يكون له دور كبير على المستوى الإفريقي أو الاقتصاد العالمي دون محاماة مواكبة، ودون شروط موضوعية توفر لهذه المحاماة القدرة على التكيف مع التطورات”.
“حرمة الجامعة”
مسؤولون جامعيون ونقابيون على مستوى التعليم العالي فضّلوا عدم الدخول في أي نقاش مماثل؛ لكنهم دفعوا بـ”مبدأ إبعاد الجامعة عن متاهات النزاعات السياسة والصراعات الفئوية”، متمسكين بـ”النفس المعرفي والأكاديمي الذي هو الحمض النووي للجامعة”، ومستدركين بأنه “يمكن الانفتاح على ما هو سياسي أو فكري أو أي شيء آخر، شريطة عدم المساس بما يشكل هوية حقيقية للتعليم العالي وضرورة أن ينتصر أولا وأخيرا للحقيقة، وليس لفئة ضدّ أخرى”.
وعلى شاكلة المسؤولين الذين تحدثوا لهسبريس دون تقديم “توضيحات مبنيّة” تفاديا لما وصفوه “إحراجا مع الأطراف المعنية بهذا النقاش”، فقد راجت تعليقات وتدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي شددت على أن نضالات المحامين بالمغرب لا تحظى بـ”الكثير من المقبولية”، لا سيما أن هناك اتهامات بـ”اتخاذ المتقاضين كرهينة وهدر الزمن القضائي بسبب الإضراب الشامل، الذي يأتي في إطار التصعيد ضدّ وزارة العدل”.