مازالت “مغارة الحمام”، أو ما تعرف وسط الباحثين الجيولوجيين بـ”مغارة تافوغالت” شرقي المملكة المغربية، تحمل في طياتها أسرار الإنسان القديم، حيث اكتشف علماء حديثا “وجود استخدامات للنباتات في الطقوس الجنائزية”.
وفي دراسة منشورة على مجلة “Nature” العلمية اكتشف علماء مغاربة وأجانب أن “إنسان العصر البليستوسيني (العصر الجليدي الذي يعتبر الفترة الأولى التي تطور فيها الإنسان العاقل) استخدم نبتة ‘الإفيدرا’ أثناء عملية دفن الجثث البشرية”.
وحسب المصدر ذاته فإن هذا الاكتشاف جاء بعد تحليل الحفريات النباتية المحفوظة داخل رواسب أثرية عمرها حوالي 15 ألف سنة قبل الميلاد، داخل “مغارة الحمام” شرقي المغرب، موضحا أن “هذه النبتة يرجّح أن يكون ترسّبها في مناطق الدفن كدليل على أدوارها الكبيرة أثناء طقوس جنازة إنسان تافوغالت القديم”.
وانطلقت الدراسة العلمية عينها من دلائل عديدة على استخدام النباتات خلال العصور القديمة في العلاجات التقليدية ومختلف الطقوس الاحتفالية أو الجنائزية للبشر القدامى، وذلك رغم “ندرة هذه الدلائل بسبب سوء حفظها وهشاشتها، حتى أصبحت هذه سمعة الحفريات النباتية عموما”.
ويقول واضعو الورقة العلمية إن “مغارة تافوغالت تعتبر مكانا مناسبا لحفظ النباتات المتفحمة، وقد عمد إلى ذلك السكان المغاربة الأولون (Iberomaurusians)؛ كما استخدموا طقوسا جنائزية خاصة بهم، وبالخصوص النباتات”، موضحين أن “هذه الدراسة توسيع لدراسات سابقة تناولت هذا الموضوع بمغارة الحمام”.
وأضاف المصدر ذاته أن “توسيع البحث شمل دراسة الحفريات النباتية ذات الحجم الكبير في الجزء الخلفي من المغارة، حيث تم اكتشاف جثث بالغين ورضع توجد في وضعية الجلوس أو الاستلقاء، داخل قبر بيضاوي الشكل، تحيط بها طبقة من الرماد، وشظايا متفحمة، وأخرى للعظام، وقواقع الحلزون الأرضي…”.
ولاحظ العلماء أن طريقة الدفن لم تكن عادية، إذ تشمل القبور بقايا عظام حيوانات، وقطعا أثرية حجرية، بالإضافة إلى حفريات نباتية متفحمة، ومحفوظة بشكل “جيد للغاية”، وبشكل خاص “نبتة الإفيدرا”؛ فبحسب الدراسة تعد “أقدم بقايا نباتية كبيرة الحجم ارتبطت بنشاط بشري على الإطلاق”.
ورجّحت الورقة العلمية أن تكون هذه النبتة موضوع استخدامات غير تلك التي شهدتها نباتات أخرى، مبينة أن “كثافتها في مناطق الدفن دليل على دورها في طقوس الدفن التي كانت مضطربة للغاية وغير منتظمة بسبب طريقة توزيع الجثث”.
وطبيعة هذه النباتات بسبب تفحمها داخل مناطق الدفن أطلقت تساؤلات لدى العلماء واضعي الورقة العلمية، إذ رجّحوا أن “يكون لذلك تأثير من النار” رغم غياب آثار إشعال النيران بالقرب من المقابر.