هل تخيلت يومًا يتفوق فيه الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري؟ هل يمكن للآلة أن تفكر وتتعلم وتبتكر بطريقة تفوق قدرة العقل البشري؟ هذا التساؤل ليس من باب الخيال العلمي، بل هو تساؤل ملح يطرح نفسه في ظل التقدم الضخم الذي نشهده في هذا المجال، إذ يؤكد كبار الخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي اليوم أننا سنصل إلى هذه المرحلة قريبًا.
فقد " target="_blank">أكد ماسايوشي سون، رئيس مجموعة (سوفت بنك)، العملاقة في مجال الاستثمار التكنولوجي، خلال مشاركته في مؤتمر (مبادرة مستقبل الاستثمار) الذي عُقد في الرياض الأسبوع الماضي، أن الذكاء الاصطناعي الفائق سيكون أذكى بعشرة آلاف مرة من الدماغ البشري وسيكون موجودًا بحلول عام 2035.
كما قال سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، الشهر الماضي: “إن امتلاكنا لذكاء اصطناعي فائق ليس سوى مسألة وقت. قد يكون هذا الأمر أقرب مما نتخيل، فقد يحدث خلال بضعة آلاف من الأيام، أو قد يستغرق وقتًا أطول قليلًا. ولكن مهما كانت المدة، فإن هذه التقنية ستغير وجه العالم بشكل جذري”.
كما أنشأ إيليا سوتسكيفر، كبير العلماء والمؤسس المشارك في شركة OpenAI، قبل عام، فريقًا داخل الشركة للتركيز في تطوير (الذكاء الفائق الآمن)، لكنه خلال شهر يونيو الماضي، أعلن تأسيس شركة ناشئة جديدة تُسمى (Safe Superintelligence (SSI، لتحقيق هذا الهدف، وقد جاء ذلك بعد شهر واحد من رحليه عن شركة OpenAI.
ولكن ما الذكاء الاصطناعي الفائق الذي يتحدثون عنه بالضبط؟ وهل يمثل فرصة ذهبية لتحقيق تقدم كبير في مختلف المجالات كما يدعى الخبراء منذ مدة، أم أنه يمثل تهديدًا وجوديًا للبشرية، كما حذر نيك بوستروم، الفيلسوف وخبير الذكاء الاصطناعي في جامعة أكسفورد، قبل عقد من الزمن؟
أولًا؛ ما الذكاء الاصطناعي الفائق؟
يشير مصطلح الذكاء الاصطناعي الفائق (Artificial Superintelligence (ASI، إلى أي نظام ذكي يتفوق على الذكاء البشري في جميع الجوانب، بما يشمل: الإبداع والحكم والقدرة على التعلم والتكيف.
ويمكن أن يتخذ هذا الذكاء أشكالًا متنوعة، بدءًا من أنظمة قادرة على التعلم الذاتي والابتكار، ووصولًا إلى آلات تمتلك وعيًا ذاتيًا وقدرة على فهم العالم من حولها بنحو أعمق من البشر.
ولكن هذا التعريف يدفعنا إلى التساؤل عن أنواع الذكاء الاصطناعي وما النوع الذي وصلنا إليه حتى الآن؟
ثانيًا؛ ما أنواع الذكاء الاصطناعي؟
من بين التصنيفات العديدة لأنواع الذكاء الاصطناعي، نجد أن إطار العمل الذي وضعته عالمة الحاسوب الأمريكية (ميريديث رينجل موريس) وزملائها في جوجل هو الأكثر وضوحًا وعمقًا، فقد قدموا هذا الإطار في ورقة بحثية العام الماضى.
يقدم هذا الإطار تصنيفًا دقيقًا لقدرات الذكاء الاصطناعي، إذ يقسمها إلى ستة مستويات تتدرج من الأنظمة البسيطة إلى الأنظمة المتقدمة للغاية.
ويبدأ التصنيف من مستوى (لا ذكاء اصطناعي) no AI، الذي يمثل الآلات البسيطة مثل الآلة الحاسبة، التي تنفذ مهام رياضية مختلفة وفقًا لبرمجة سابقة، ويصل إلى مستوى (خارق للطبيعة) Superhuman، الذي يمثل أنظمة تتمتع بقدرات تفوق القدرات البشرية. ويساعدنا هذا التصنيف يساعدنا في فهم تطور الذكاء الاصطناعي وتحديد موقعنا الحالي فيه.
إليك مراحل الذكاء الاصطناعي:
1- الذكاء الاصطناعي الضيق النطاق (NAI):
الذكاء الاصطناعي الضيق النطاق (NAI)، هو بمنزلة متخصص ماهر في مجال محدد، فهو مصمم لأداء مهام محددة بدقة عالية، ولا يتجاوز حدود هذه المهام، ويتعلم هذا النوع من كميات ضخمة من البيانات، ولكن هذا التعلم مقتصر على المجال الضيق الذي صمم من أجله.
ويُعدّ هذا النوع هو القوة الدافعة وراء العديد من التطبيقات التي نستخدمها يوميًا، مثل: محركات البحث والترجمة الآلية، وتعرف الصور، وتحليل النصوص، وحتى القيادة الذاتية، إذ يمتاز هذا النوع من الذكاء بقدرته على أداء مهام روتينية بدقة عالية وسرعة فائقة، ولكن قد يواجه صعوبة في التعامل مع مواقف غير متوقعة أو خارج نطاق تدريبه.
ولتوضيح هذا التصنيف، تقدم موريس مثالًا عمليًا وهو برنامج الشطرنج (Deep Blue)، الذي حقق فوزًا تاريخيًا على بطل العالم جاري كاسباروف في عام 1997، فهو يمثل نموذجًا مثاليًا لنظام ذكاء اصطناعي (ضيق النطاق) على مستوى بارع، إذ يعمل بكفاءة عالية ضمن مجال محدد، وهو لعبة الشطرنج، ولكنه غير قادر على أداء مهام أخرى.
كما يوجد بعض نماذج الذكاء الاصطناعي الضيقة النطاق، التي تتمتع بقدرات تتجاوز قدرات البشر حاليًا، ومنها نموذج (Alphafold)، الذي طورته شركة جوجل، والذي أحدث ثورة في مجال التنبؤ بهياكل البروتينات، والذي فاز مبتكروه بجائزة نوبل في الكيمياء هذا العام.
" frameborder="0">
2- الذكاء الاصطناعي العام (AGI):
يشير مصطلح الذكاء الاصطناعي العام (AGI) إلى شكل قوي من أشكال الذكاء الاصطناعي يتميز بقدرته على أداء مجموعة واسعة من المهام، بما يشمل أشياء مثل تعلم مهارات جديدة. ويشير الخبراء إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي العام، هي المرحلة التي ستتمكن فيها الآلة من أداء أي مهمة فكرية يستطيع الإنسان القيام بها.
تبدو فكرة نظام ذكي قادر على أداء أي مهمة فكرية يقوم بها الإنسان مثيرة للاهتمام، ولكن الواقع يختلف بعض الشيء، لأننا ما زلنا بعيدين عن تحقيق الذكاء الاصطناعي العام بالمعنى الكامل حتى الآن.
وفقًا لموريس، تمثل النماذج اللغوية الكبيرة مثل: Gemini و ChatGPT خطوة أولية نحو تحقيق الذكاء الاصطناعي العام، ولكن لا تزال هذه النماذج في مرحلة مبكرة من التطور، وتُعدّ في المستوى الناشئ مقارنة بالذكاء البشري، ويعني ذلك أنها قادرة على أداء مهام محددة بشكل جيد، ولكنها تفتقر إلى المرونة والتفكير النقدي التي يتمتع بها الإنسان.
ويؤكد ذلك، يان لوكون (Yann LeCun)، عالم الحاسوب الفرنسي، وأحد الآباء الروحيين الثلاثة للذكاء الاصطناعي، الذي يشغل الآن منصب كبير علماء الذكاء الاصطناعي في شركة (ميتا)، والذي يرى أن إن النماذج اللغوية الكبيرة تُعدّ بمنزلة المفتاح للذكاء الاصطناعي العام، الذي يصل إلى المستوى البشري في التفكير والإبداع، ولكن الوصول إليه قد يستغرق 10 سنوات أو عقود من الزمن، إذ لا يوجد مخطط زمني محدد لهذا التطور حتى الآن.
" frameborder="0">
وقال يان لوكون، خلال مشاركته في منتدى هدسون (Hudson Forum) الشهر الماضي: “للوصول إلى ما يُسمى الذكاء الاصطناعي العام، نحتاج إلى آلات تفهم العالم؛ آلات تستطيع التذكر، والتفكير المنطقي، والتخطيط بمستوى البشر. وحتى الآن الأنظمة الحالية التي توصلنا إليها كلها تفتقر إلى هذه القدرات الأساسية”.
3- الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI):
عندما نصل إلى النوع الثاني وهو الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، سننطلق نحو النوع الثالث والأخير، وهو الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI)، الذي يتجاوز قدرات البشر. ويعني ذلك، أننا مازلنا بعيدين جدًا جدًا عن الوصول إلى هذا النوع الثالث، لأننا لم نصل بعد إلى النوع الثاني، الذي يشير الخبراء إلى أن الوصول إليه سيستغرق على الأقل 10 سنوات. ولكن ذلك يطرح سؤالًا مهمًا، وهو، إلى أين وصل الذكاء الاصطناعي الآن؟
ثالثًا؛ إلى أين وصل الذكاء الاصطناعي الآن؟
يُعدّ تحديد مستوى ذكاء أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية مسألة معقدة ومتنازع عليها، فكما أشارت الباحثة موريس، تتطلب هذه المقارنة وجود معايير ومقاييس دقيقة وموثوقة.
واعتمادًا على معاييرنا، قد يكون نظام توليد الصور مثل (DALL-E) في المستوى العبقري، لأنه قادر على إنتاج صور فنية معقدة تتجاوز قدرات غالبية البشر، أو قد يكون في المستوى الناشئ، لأنه ينتج أخطاء لا يمكن لأي إنسان أن ينتجها، مثل تصوير أيدي الأشخاص بأشكال غير طبيعية.
وهناك جدل كبير حول قدرات الأنظمة الحالية، إذ زعمت دراسة بحثية في عام 2023، أن نموذج (GPT-4) أظهر (بوادر من الذكاء العام المتقدم)، أي القدرة على التفكير والتعلم بشكل مشابه للبشر.
كما تدعي OpenAI أن أحدث نماذجها وهو نموذج (o1)، الذي أطلقته خلال شهر سبتمبر الماضي، يمكنه إجراء تفكير معقد، وينافس أداء الخبراء البشريين في العديد من المعايير. ومع ذلك، أشارت دراسة حديثة من باحثي آبل إلى أن هذه الادعاءات قد تكون مبالغ فيها. ففي حين أن نموذج (o1) قادر على إنتاج نصوص متماسكة وسلسة، لكنه يواجه صعوبات كبيرة في حل المشاكل الرياضية التي تتطلب تفكيرًا تجريديًا.
ويشير ذلك إلى أن هذا النموذج يمكنه محاكاة التفكير البشري في بعض الجوانب، ولكنه لا يزال يعتمد بنحو كبير على مطابقة الأنماط الموجودة في البيانات التي دُرب عليها. ويثير ذلك تساؤلات حول مدى قدرة النماذج الحالية على تحقيق مستوى من الذكاء يمكن مقارنته بالذكاء البشري الحقيقي.
وهنا لنفترض أننا وصلنا إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي الفائق، فكيف سيغير وجه العالم، وما المخاطر المتوقعة في هذه المرحلة؟
رابعًا؛ الذكاء الاصطناعي الفائق.. التهديد الأكبر للبشرية أم أمل في مستقبل أفضل؟
يؤكد الخبراء أن الانتقال إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي الفائق سيكون حدث مفصلي في تاريخ البشرية، إذ ستتجاوز قدرات الآلات القدرات البشرية في جميع المجالات، ومن ثم سيؤدي هذا التحول إلى تغييرات جذرية في كل جوانب حياتنا، ابتداءً من الاقتصاد والسياسة والطب إلى الثقافة والمجتمع.
التأثيرات الإيجابية المتوقعة:
- تطورات علمية طبية مذهلة: يمكن للذكاء الاصطناعي الفائق تسريع اكتشاف الأدوية وعلاجات الأمراض المستعصية، وتطوير تقنيات جديدة لتمديد العمر وتحسين نوعية الحياة.
- حل المشكلات العالمية: يمكن استخدامه لحل تحديات كبرى مثل: تغير المناخ، والفقر، والجوع، من خلال تطوير حلول مبتكرة وفعالة.
- زيادة الإنتاجية والابتكار: سيؤدي إلى زيادة هائلة في الإنتاجية والابتكار في جميع الصناعات، مما يؤدي إلى توفير فرص عمل جديدة وتحسين مستوى المعيشة.
- اكتشافات علمية جديدة: يمكن للذكاء الاصطناعي الفائق أن يكشف أسرار الكون، ويوسع فهمنا للواقع، ويفتح آفاقًا جديدة للعلوم.
المخاطر المحتملة:
يحذر الخبراء مثل نيك بوستروم، الفيلسوف وخبير الذكاء الاصطناعي في جامعة أكسفورد، في كتابه (الذكاء الفائق: المسارات والمخاطر والإستراتيجيات) Superintelligence: Paths, Dangers, Strategies، من أن الذكاء الاصطناعي الفائق قد يشكل تهديدًا وجوديًا للبشرية. فإذا أصبح الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً من البشر، فإنه قد يصبح غير قابل للسيطرة وقد يتخذ قرارات لا تتوافق مع مصالح البشر. وتشمل المخاطر المحتملة:
- فقدان السيطرة: سيصبح الذكاء الاصطناعي الفائق قادرًا على التلاعب بالأنظمة والبيانات بطرق لا يمكن للبشر فهمها أو التحكم فيها.
- عدم المساواة: قد يستفيد القليلون من ثمار الذكاء الاصطناعي، مما يؤدي إلى زيادة التفاوت في الثروة والسلطة.
- تهديد الأمن القومي: يمكن استغلال الذكاء الاصطناعي في أغراض ضارة، مثل تطوير أسلحة ذاتية القيادة أو شن هجمات إلكترونية واسعة النطاق.
- فقدان السيطرة: قد يخرج الذكاء الاصطناعي عن سيطرة الإنسان، ويتخذ قرارات قد تضر بالبشرية.
الخلاصة:
لقد حقق الذكاء الاصطناعي تقدمًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، ولكنه لا يزال بعيدًا عن تحقيق الذكاء الاصطناعي العام، الذي يضاهي الذكاء البشري، إذ مازلت قدرات الأنظمة الحالية محصورة في مجالات محددة، وتواجه تحديات كبيرة في حل مشاكل تتطلب تفكيرًا مجردًا وعميقًا.
لذلك فحلم الوصول إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI)، لا يزال بعيدًا جدًا، إذ يعتقد بعض الخبراء أنه قد يستغرق قرونًا أو قد لا يحدث أبدًا.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط