بعد رحيل بشار الأسد من الأراضي السورية وسقوط نظامه، عادت إلى الواجهة من جديد قضية «إيلي كوهين» الجاسوس الأشهر في تاريخ إسرائيل، إن لم يكن في العالم.
قصة الجاسوس الإسرائيلي «إيلي كوهين»
ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية عن نادية كوهين، أرملة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي دفنت جثته في دمشق بعد إعدامه عام 1965، عن تفاؤلها بأن إطاحة الأسد قد تؤدي إلى إنهاء هذه القضية.
ارتكاب أعمال إرهابية بمصر
وأقدم «كوهين» على ارتكاب أعمال إرهابية بمصر خلال إقامته بها، في أشهر قضية في خمسينيات القرن الماضي، والتي تعرف بقضية «لافون».
دخوله الأراضي السورية
كان المحطة الأهم في حياته، سوريا، والتي دخلها جاسوسا، مقربا من الصفوف الأولى بالنظام السوري، حتى قيل عنه إنه أوشك على تقلد منصب رئيس الوزراء، فيما تم تداول أنه كان مرشح لمنصب نائب وزير الدفاع السوري.
تجسيد حياته في الدراما والسينما
جُسدت حياته في الدراما والسينما عدة مرات، لعل أحدثها هو مسلسل حمل اسم «الجاسوس» من إنتاج منصة «نتفلكس»، فيما أشارت تقارير إلى أن شخصية مأمون بيك في مسلسل باب الحارة كانت إسقاط له.
وفي عام 1987، أنتج فيلم أمريكي يحمل اسم «جاسوس المستحيل The Impossible Spy».
مولده ونشأته
ولد إيلياهو بن شاؤول كوهين بالإسكندرية في 6 ديسمبر عام 1924، وانتقلت عائلته في العام نفسه وقبل أشهر من ولادته من حلب في سوريا لتستقر في مصر.
أتقن إيلي العربية والفرنسية والإنجليزية والعبرية، وتعلم في مدارس يهودية قبل دخوله مجال الهندسة في جامعة «الملك فاروق- جامعة الإسكندرية».
وعندما بلغ الـ20 انضم إلى منظمة الشباب الصهيوني اليهودي في الإسكندرية التي عملت على حث اليهود هناك للانتقال إلى ما تسمى «دولة إسرائيل» في العام 1948 بعد قيامها، مشاركا في مهمات أمنية للاستخبارات الإسرائيلية.
عملياته ضد اليهود
من أهم العمليات التي شارك فيها، تفجيرات ضد مصالح أمريكية ويهودية هدفت إلى إفساد العلاقة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما، بعد ثورة 23 يوليو عام 1952. والهدف الثاني، كان تخويف اليهود وحملهم على الانتقال إلى إسرائيل، لكن هذه العمليات ما لبثت أن انكشفت في يوليو من العام نفسه، ليقع إيلي كوهين مع آخرين في قبضة أجهزة الأمن المصرية، وحوكموا تبعًا لقضية أطلق عليها اسم «لافون»، نسبة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك بنحاس لافون الذي اتهِم بإعطاء الأوامر لتنفيذها، وهذه العمليات كانت سببًا أساسيًا في تشكيل جهاز الاستخبارات المصرية، برئاسة زكريا محيي الدين، وفي قت لاحق، خرج إيلي كوهين من هذه القضية من دون إثبات التهمة عليه.
انضمامه للموساد
انتقل «كوهين» إلى إسرائيل في العام 1955، حيث التحق بالوحدة 13 في الموساد، الذي أعاده إلى القاهرة، واعتقل مرة ثانية بعد العدوان الثلاثي على مصر في نوفمبر 1956، ولكن اعتقاله لم يدُم طويلًا، ليعود إلى تل أبيب، لكن دون الالتحاق إلى جهاز الموساد.
وتزوج من يهودية من أصول عراقية في العام 1959، لكن الموساد لم يتخلّ عنه وأعاد الاتصال به، لمهمة في دمشق.
بدأت عملية تجنيد إيلي كوهين لهذه المهمة عندما كانت سوريا ضمن دولة الوحدة المصرية السورية، برئاسة جمال عبدالناصر، وفي عهد العقيد عبدالحميد السراج، رئيس الاستخبارات العامة، ليغير هويته الكاملة إلى كامل أمين ثابت، ولم يكن هذا إلا البداية.
التمهيد للذهاب إلى سوريا
انتقل كامل أمين ثابت يُفترَض أنه سوري مسلم هاجر من سوريا إلى مصر في العام 1946 ومن هناك انتقل في العام 1947 مع عائلته إلى الأرجنتين التي كان سبقهم إليها أحد أعمامه، حيث يعمل في تجارة الأقمشة.
وتقضي المهمة بذهابه إلى «بوينس أيرس»، وبشخصيته الجديدة يتعرف إلى سوريين يعرب لهم عن رغبته في العودة إلى بلاده بسبب حنين داخلي، في وقت كانت دمشق تنام على انقلاب وتصحو على آخر، ودُرّب على استخدام أجهزة الاتصال السرية اللاسلكية وعلى الكتابة بالحبر السري.
كما تعلم مبادئ الدين الإسلامي وتعاليمه. كانت المسألة تخفي مخاطرة كبيرة كيهودي إسرائيلي وعليه أن يدخل إلى دولة معادية وأي خطأ يودي به إلى الإعدام، عدا عن تركه زوجته من دون أن يعلن لها عن وجهته.
عندما حصل الانفصال بين مصر وسوريا في 28 سبتمبر 1961 بعد الانقلاب الذي قاده العقيدان عبدالكريم النحلاوي وحيدر الكزبري، قُرّر انتقاله إلى دمشق.
في 1962 استقر كوهين في شقة سكنية في حي أبورمانة الذي تعيش فيه نخبة من القيادات السورية وتنتشر مقرات عدد من سفارات الدول الأجنبية، ومن هذه النقطة هناك بعث برسالته السرية الأولى إلى مشغليه في الموساد، كإشارة إلى أنه استقر وبدأ في العمل.
لم يعلن كوهين أي التزام سياسي بأي جهة في سوريا، حتى لا يتم افتضاح أمره، بل اتجه إلى عالم الأعمال بشكل مباشر مستفيدًا من مساعدة الموساد له في أعمال تجارية تؤمن له تمويلًا ذاتيًا وحضورًا في المجتمع الراقي.
علاقات مع كبار رجال الدولة
أقام علاقة أساسية مع معزى زهر الدين ابن شقيق اللواء عبدالكريم زهر الدين رئيس الأركان بعد الانفصال ووزير الدفاع أيضًا، ما سهل له الوصول إلى التحصينات العسكرية السورية على جبهة الجولان. حتى أنه بعد انقلاب البعث حلّ ضيفًا على الإذاعة السورية، حيث كان على علاقة وثيقة مع الصحفي جورج سيف الذي يعمل فيها.
في الأثناء، اقترب كثيرًا من معرفة مكان الضابط النازي ألويس برونير مساعد أدولف إيخمان الذي اختطفه الموساد من الأرجنتين إلى تل أبيب حيث نفذ فيه الإعدام عام 1962.
افتضاح أمره
يشار إلى أنه كان يبعث برسائله المشفرة إلى مشغليه في بلاده في وقت محدد يوميًا، وبحكم موقعه في حي السفارات حصل تشويش على رسائل السفارة الهندية في الوقت نفسه، فأعلمت السلطات السورية التي بدأت البحث مستعينة بجهاز روسي لتعقب إشارات الإرسال حتى حُدّدت، فاقتحمت عناصر من الاستخبارات السورية الشقة وقبضت عليه، متلبسًا، وبواسطة إشارات أرسلها، عَلِم الموساد بالأمر.
كما نقلت شبكة الـBBC البريطانية،عن الكاتب الصحفي الراحل، محمد حسنين هيكل إن المخابرات المصرية هي التي كشفته بعد رصد أحد ضباطها لكوهين ضمن المحيطين بأمين الحافظ في صور خلال تفقده مواقع عسكرية.
الحكم بإعدامه.. وقبره المجهول
بعد محاكمة سريعة مغطاة إعلاميًا، نُفّذ حكم الإعدام شنقًا بكوهين في ساحة المرجة في دمشق في 15 مايو 1965، ودُفن في مكان لم يعلن عنه.
بعد اندلاع الثورة في سوريا منذ 15 مارس 2011 والتدخل الروسي، استمرت محاولات تل أبيب لاسترجاع الرفات، من دون نتيجة. لكن في يوليو 2018 أعلنت استعادتها الساعة التي كانت في معصم يده قبل إعدامه وسلمتها لزوجته في مايو.
وبحسب شبكة الـBBC البريطانية، فإن هناك تقارير غير مؤكدة تقول أنه عرض عليه منصب نائب وزير الدفاع، فيما أفادت تقارير إعلامية عالمية بأنه كاد أن يصبح رئيس للوزراء.