على مدى عقود طويلة، كانت أسعار الغاز المسال متربطة بأسعار النفط الخام، سواء في الزيادة والنقصان، أو حركة التجارة العالمية، لا سيما أن كثيرًا من الدول لم تكن تعرف الطريقة الصحيحة لتسعير هذا المنتج الطاقي الذي كان جديدًا في حقبة الستينيات من القرن الماضي.
وفي هذا الإطار، يوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن ما هو معروف حتى الآن، أن نقل الغاز الطبيعي يعدّ مناطقيًا فقط أو إقليميًا، إذ يحتاج إلى مناطق أغلبها برّية لمدّ خطوط الأنابيب، كما يمكن مدّها بحرًا.
ولكن، وفق الحجي، الحاجة إلى نقله عالميًا -مثله مثل النفط- تطلبت إسالته، وهذه الإطالة تحتاج إلى أن تكون هناك مصانع أو محطات لتسييل الغاز، كما تتطلب وجود ناقلات خاصة لنقله، وكذلك محطات في الجانب الأخر لاستلامه وإعادة تغويزه، أي إعادته إلى حالته الغازية.
جاء ذلك خلال حلقة من برنامج "أنسيات الطاقة"، قدّمها الدكتور أنس الحجي عبر مساحات منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، بعنوان "هل الغاز المسال وقود المستقبل؟ وكيف يمكن للأفراد الاستثمار فيه؟"، استضاف خلالها مدير وحدة أبحاث الطاقة أحمد شوقي، والباحث بالوحدة الدكتور رجب عز الدين.
كيف تحددت أسعار الغاز المسال؟
يقول الدكتور أنس الحجي: عندما بدأت الجزائر تصدير الغاز المسال في ستينيات القرن الماضي، لم تكن هناك سوق لهذا النوع من مصادر الطاقة، ومن ثم لم يكن أحد يعرف ما هي أسعار الغاز المسال وكيفية تسعيره.
لذلك، تشكلت لجان عديدة من الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، وبعض البيوت الاستشارية، لمعرفة كيفية تسعير الغاز المسال، واتُّفِق على تسعيره بناءً على الوحدات الحرارية المتضمنة في الغاز مقارنة بالنفط، فرُبِطن أسعار الغاز المسال بأسعار النفط.
وأوضح الدكتور أنس الحجي أنه على مدى عقود كانت أسعار الغاز المسال دائمًا مربوطة بالنفط، فإذا ارتفعت أسعار النفط زاد سعر الغاز المسال، وبناءً على ذلك عندما امتدت خطوط الأنابيب من روسيا ودول آسيا الوسطى إلى أوروبا، وجرى التسعير بالطريقة نفسها، مع فروق قليلة.
وأضاف: "كان هذا هو السائد حتى وصلنا إلى ثورة النفط والغاز الصخريين في الولايات المتحدة الأميركية، لنجد للمرة الأولى أن هناك محطات للغاز المسال تسعّر بسعر السوق، وذلك من خلال الحصول على الغاز الطبيعي بسعر السوق، ثم دفع أجرة إسالته ونقله وإعادة تغويزه".
ومن ثم، أصبحت أسعار الغاز المسال الأساسية مربوطة بسعر السوق، وليس بسعر النفط، لذلك هناك مقالات وتقارير في منصة الطاقة المتخصصة، تتحدث عن مشكلة قطر، بشأن المنافسة مع الدول الأخرى.
وفسَّر ذلك بأن قطر تؤدي في أسواق الغاز الدور نفسه الذي تؤديه السعودية في أسواق النفط، إذ إن المملكة هي منتج ومصدر مسيطر في أسواق النفط، وهي لا تبيع الخام في الأسواق الفورية، وينطبق الأمر على قطر في أسواق الغاز.
لذلك، بحسب الدكتور أنس الحجي، لا يوجد سعر للخام السعودي، مضيفًا: "كثيرًا ما تأتيني أسئلة عن سبب عدم وجود سعر للخام السعودي، بينما هناك سعر لخام دبي وخام عمان وخامَي غرب تكساس الوسيط الأميركي وبرنت، والسبب أن المملكة لا تبيع في الأسواق الفورية".
وتابع: "هذه ميزة بالنسبة للمملكة ألّا تبيع النفط الخام في السوق الفورية، وليست عيبًا، وقطر تتّبع الطريقة نفسها بالنسبة للغاز المسال، إذ إنها تبيع إنتاجها من الغاز المسال بالعقود طويلة الأجل، وليس من خلال الأسواق الفورية".
توقعات أسواق الغاز المسال
من جانبه، قال مدير وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن) أحمد شوقي، إن أسواق الغاز المسال تشهد في الوقت الحالي تطورًا ضخمًا، إذ إن الكميات المتداولة في الأسواق حاليًا أكبر من كميات الغاز الطبيعي المتداولة عبر خطوط الأنابيب.
وأوضح أن هناك مرحلة قريبة ينتظرها الجميع -أيضًا-، وتمثّل تطورًا مهمًا، وستكون في النصف الثاني من العام الجاري 2024، إذ إن أسواق الغاز المسال ستدخل مرحلة كبيرة وجديدة، مع وفرة المعروض من مشروعات ضخمة.
ولفت مدير وحدة أبحاث الطاقة إلى أن هذه المشروعات الضخمة الجديدة في مجال الغاز المسال في الولايات المتحدة، وحقل الشمال في قطر، ومشروع الرويس في الإمارات، وتمثّل تطورًا تاريخيًا في أسواق الغاز المسال.
وأضاف: "في الوقت الحالي، وخلال العام الأخير، تعدّ الصين واليابان وكوريا الجنوبية -وانضمت إليها الهند وتايوان حديثًا- أكبر الدول المستوردة للغاز المسال، بجانب بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وهولندا وإسبانيا".
وعلى الجانب الأخر، وفق شوقي، هناك أكبر الدول المصدرة للغاز المسال، وهي الولايات المتحدة، وتتناوب أستراليا وقطر على المركز الثاني في السنوات الأخيرة، وهذه الدول الـثلاث تمثّل أكثر من 60% تقريبًا من الصادرات العالمية، وكذلك تصدّر ماليزيا ونيجيريا الغاز المسال بكميات أقل.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..