لا أحد يُنكر أنّ الوضع في سوريا خطير ومعقد، تتداخل فيها عدة عوامل سياسية معقدة مع الخطر الذي نُشير إليه من انتشار وتنامي جماعات العنف والتطرف في الداخل السوري.
بداية الوضع السياسي في سوريا هش إلى درجة أنّ هذه التنظيمات توطنت بداخله منذ أكثر من 10 سنوات، وسبق احتلت محافظة الرقة، التي باتت عاصمة لدولة داعش مدة 5 سنوات كاملة، وعندما تحررت الرقة مع الشمال الغربي كان لقوات سوريا الديمقراطية، المكون الكردي، دور كبير في مواجهة هذا التنظيم وغيره من التنظيمات المتطرفة.
الحديث عن تعافي سوريا من تنظيم داعش الذي أقام جزء من دولته على الأراضي السورية في 29 يونيو من العام 2014، ليس دقيقًا، فالأراضي السورية احتضنت خليفة داعش، الذي كان يُقيم فيها على مدار سنوات نشأة الدولة، وفيها قتل أيضًا في أكتوبر من العام 2019، والتزمت الولايات المتحدة الأمريكية وقوات قسد بمواجهة هذا التنظيم، ومازال التحالف قائمًا من أجل هذه المواجهة.
لم يمضي كثيرًا على تحرير الرقة، حتى تعرضت سوريا لنكبة أخرى، لا تقل خطورة عن الأولى التي لم تتعافى منها أصلًا، فخلايا داعش النشطة والخاملة تملأ الأراضي السورية، والتنظيم نفذ مئات العمليات النوعية منذ إعلان التحرير على لسان قوات سوريا الديمقراطية في 23 مارس من العام 2019.
نكبة سوريا الجديدة تمثلت في سيطرة هيئة تحرير الشام على مدينة حلب، ثاني أكبر المدن السورية، وأهم المدن الصناعية فيها، في ظل صمت دولي بات مخيفًا حتى من حلفاء دمشق، وهو ما يستلزم تحرك عربي إقليمي لمواجهة خطر التنظيمات المتطرفة.
صحيح هناك علاقة سياسية متوترة ما بين سوريا وبعض جيرانها، خفت هذه التوترات قليلًا ما في السنوات الأخيرة، ولكن إرتأت هذه الدول أنّ ما يحدث في سوريا ليس تهديدًا للنظام السوري وفقط ولكنه تهديدًا للدولة الوطنية في سوريا، وهو ما يستلزم التدخل العاجل والسريع.
والحقيقة سيطرة التنظيمات المتطرفة لم يكن تهديدًا للأمن القومي السوري ولا لأمن المنطقة العربية ولكنه تهديدًا لأمن العالم بأكمله، فنشاط التنظيمات المتطرفة في هذه المنطقة سوف يُؤثر على أمن وسلامة العالم بأكمله.
ولهذا يجب انشاء تحالف عربي إقليمي وقد يكون دولي لمواجهة هيئة تحرير الشام وكل الجماعات المتطرفة المنطوية تحتها لوائها لأسباب، أنّ هناك دولًا في المجتمع الدولي ترى أنّ سيطرة هؤلاء المتطرفين يخدم أهدافها السياسية من طرد الميليشيات الإيرانية وقوات حزب الله، فهربت من المواجهة لمواجهة هذه المليشيات في سوريا.
وقد يكون هذا جزء من تعقيد المشهد السياسي، هناك عدة أخطار تتعرض لها سوريا، ولكن أهمية إنشاء هذا التحالف هو مواجهة خطر التنظيمات المتطرفة بكل خلفياتها، مواجهة أي ميلشيات تُهدد أمن الدولة السورية، فلا حق للوجود على الأراضي السورية إلا للسوريين أنفسهم، وهذا ما يجب أنّ يكون منطلقًا لهذا التحالف الوليد.
هناك تباعد في بعض وجهات النظر ما بين النظام السوري وما بين بعض دول الجوار التي تتخوف من قضايا لم تسعى سوريا لطمأنتها وهذا ليس محور المناقشة، ولكن هذا لا يمنع مساعدة هذه الدول لسوريا الدولة الوطنية ولمواجهة خطر التنظيمات المتطرفة على الأراضي السورية.
لابد من إنشاء التحالف العربي الإقليمي لمواجهة التنظيمات المتطرفة في سوريا وفي غير سوريا، وأنّ يكون دور هذا التحالف مواجهة أي خطر للتنظيمات المتطرفة أي كانت خلفياتها طائفية أو عرقيّة، الهدف تحرير سوريا وغيرها من أي دوله قد تتعرض لما تعرضت له دمشق.
كما لابد أنّ يكون هذا التحالف جاهزًا للإستدعاء في أي لحظة وأنّ يكون مرنًا في تشكيلة بحيث يضم دولًا غير عربية طالما اتفق هدفها مع فكرة المواجهة وسياسة القضاء على تنظيمات العنف والتطرف، بحيث يسمح بذلك مع مواجهة أي خطر، وأنّ تكون مصر والسعودية والإمارات في قلب هذا التحالف، فهم عصب المواجهة الحقيقية لأي أخطار ربما تُهدد المنطقة العربية وبخاصة من جماعات العنف والتطرف.