في لحظة امتزجت فيها مشاعر الفرح بالحذر، وصل الفلسطيني زكريا الزبيدي، أحد أبرز رموز انتفاضة الأقصى، إلى الضفة الغربية بعد سنوات من الاعتقال في السجون الإسرائيلية.
ولكن رحلته لم تنته في مسقط رأسه مخيم جنين، بل استقرت به في رام الله، حيث كان بانتظاره أفراد عائلته، وسط أجواء طغى عليها الفرح الممزوج بالمخاوف من مستقبل مجهول.
الزبيدي، القائد السابق لكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، كان الاسم الأبرز ضمن قائمة الفلسطينيين المفرج عنهم ضمن الدفعة الثالثة من صفقة تبادل السجناء والرهائن، التي جرت بموجب اتفاق بين إسرائيل وحركة حماس.
وجاء إطلاق سراحه مساء الخميس، في صفقة تضمنت الإفراج عن 110 فلسطينيين، بينهم 32 محكوما بالمؤبد و30 طفلا، مقابل إطلاق سراح ثلاثة رهائن إسرائيليين كانت تحتجزهم حماس منذ السابع من أكتوبر2023.
وقد اعتقل الزبيدي في فبراير، وبعد عامين نفذ مع خمسة أسرى آخرين إحدى أكثر عمليات الهروب جرأة في تاريخ السجون الإسرائيلية، إذ تمكنوا من الفرار من سجن جلبوع شديد الحراسة عبر نفق حفروه داخل زنزانتهم، في ما عرف بعملية “نفق الحرية”، وهي حادثة أحدثت زلزالا أمنيا داخل إسرائيل.
واعيد اعتقاله بعد أسبوع، وحكم عليه بالسجن خمس سنوات إضافية.
حفاوة مشوبة بالحذر
وخلف نوافذ حافلة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي أقلته من سجن عوفر الإسرائيلي، ظهر الزبيدي للحشود التي اجتمعت لاستقباله، رافعا إشارة النصر. كان مشهدا استعاد فيه الفلسطينيون صورا من انتفاضتهم الثانية، عندما كان الزبيدي مطاردا في أزقة مخيم جنين، ينجو من عدة محاولات اغتيال إسرائيلية.
ولكن فرحته لم تكتمل، إذ لم يستطع العودة إلى جنين، حيث يشن الجيش الإسرائيلي منذ أسابيع عمليات عسكرية واسعة قال إنها تستهدف البنية التحتية للفصائل المسلحة.
وقال أحد أفراد عائلة الزبيدي: “نحن سعداء برؤيته حرا، لكن إسرائيل لا تريد أن تكتمل فرحتنا”، في إشارة إلى قيود مشددة على حركته، وسط تكهنات بأنه قد يمنع من دخول جنين، كما حدث مع أسرى محررين آخرين.
وفي أول تصريح له بعد الإفراج عنه، قال الزبيدي، وهو عضو المجلس الثوري لحركة فتح: “اليوم اقول شكرا لغزة التي حررتني وأخرجتني إلى عائلتي”.
لكن اللافت أنه لم يذكر حركتي حماس أو الجهاد الإسلامي بالاسم، رغم أنهما الطرفان الأساسيان اللذان قادا المفاوضات لإطلاق سراحه.
وأضاف بصوت حمل أثر التجربة: “كنت معزولا وتعرضت للتعذيب والضرب والإهانة بشكل متكرر، وهذا حال كل الأسرى مثلي. السجون الإسرائيلية عبارة عن مراكز قتل وتعذيب يومي”.
وأشار إلى الوضع في غزة قائلا: “القطاع بحاجة إلى إعادة إعمار، ويجب أن تتكاتف فئات الشعب الفلسطيني لإنجاز ذلك”.
في دائرة الاستهداف
لم يكن الزبيدي مجرد سجين فلسطيني، بل كان أحد أبرز رموز المقاومة المسلحة في انتفاضة الأقصى، وعنوانا لجيل فتحاوي عاد لحمل السلاح بعد تعثر مفاوضات السلام.
ويرى مراقبون أن الإفراج عنه لا يعني خروجه من دائرة الاستهداف الإسرائيلي.
ويقول سفيان أبو زايدة، الوزير الفلسطيني السابق والخبير في الشأن الإسرائيلي في تصريح تلفزيوني: “الإسرائيليون يعرفون زكريا الزبيدي جيدا. لقد حاولوا اغتياله مرارا، وأخشى أنه سيظل في دائرة الاستهداف إذا شعروا أنه يشكل أي خطر محتمل”.
ورغم سنوات الاعتقال والمطاردة، فإن القصة الأكثر قسوة في حياة الزبيدي هي الفقد. فبعد سنوات من السجن، خرج ليجد أن شقيقه داوود قتل برصاص الجيش الإسرائيلي عام 2022، ثم فقد نجله محمد في غارة إسرائيلية استهدفت سيارته أواخر 2023.
وحتى الآن، لم تتلق عائلة الزبيدي أي قرار رسمي يمنعه من دخول جنين، لكن عمه جمال الزبيدي أوضح أن العودة في الظروف الحالية تنطوي على مخاطر كبيرة، قائلاً: “نقل زكريا إلى جنين حاليا أمر صعب وخطير، خاصة في ظل العملية العسكرية الإسرائيلية المستمرة هناك، وتشديد القبضة على المدينة وعائلته. نحن نأمل فقط أن يتمكن زكريا والعائلة من العيش بسلام”