وسط زحام الحياة وسرعتها، يتوارى أحيانًا بريق قصص تُلامس القلب وتُجسّد معنى الإصرار على تحقيق الذات رغم صعوبة الظروف، الدكتور علي فخري، أستاذ النظم الإدارية والمعلومات، واحد من هؤلاء الذين لم يُثنهم الزمن عن شغفهم، رغم تجاوزه الثمانين من العمر.
وحده بعد رحلة طويلة
عاش الدكتور فخري حياة مليئة بالعمل والتنقل، إذ قضى ثلاثين عامًا يعمل خارج مصر في مجال نظم المعلومات الإدارية، تخصص نادر يمزج بين علوم التجارة وعلوم الحاسب، لكنه عاد ليواجه وحشة الوحدة، بعد أن غادرته أحبته واحدًا تلو الآخر، فقد ودّع أشقاءه الأربعة وأعمامه وخالته، فيما اختار أولاده العمل في الولايات المتحدة، تاركين والدهم وحيدًا في شقة تخلو إلا من الذكريات.
يقول الدكتور فخري بصوت يحمل مزيجًا من الأسى والفخر: “عندما تكون وحيدًا، تُصبح الحياة صعبة جدًا، لكن العمل هو الشيء الوحيد الذي يجعلني أشعر أنني ما زلت أعيش.”
طلب عمل بلا مقابل
و كتب فخري على وسائل التواصل الاجتماعي منشورًا يطلب فيه فرصة عمل، دون أي مقابل مادي، لم يكن الهدف المال، إذ جمع مدخرات كافية خلال سنوات عمله في الخارج، لكنه أراد أن يستعيد شعور الإنجاز.
وأضاف الدكتور فخري، “أنا أستاذ جامعي تجاوزت الستين، وبالتالي لا أستطيع العمل كأستاذ متفرغ وفق القانون المصري، لكن التدريس كان دائمًا شغفي، وكنت مستعدًا أن أعمل دون مقابل فقط لأشعر أنني مفيد”.
أمل جديد
لم يمر وقت طويل حتى تواصلت معه إحدى الجامعات، وعرضت عليه التدريس بداية من الفصل الدراسي الثاني، تلك الفرصة الصغيرة أعادت إليه بعض الأمل، إذ قال مبتسمًا: “الحياة تتغير دائمًا، المهم ألا نتوقف عن المحاولة، السعي بإيدك، والنجاح بيد الله.”
ترك بصمة رغم كل شيء
خلال فترة بحثه عن عمل، لم يقف مكتوف الأيدي، قرر أن يُشارك معرفته عبر الإنترنت، حيث نشر أكثر من ألف كورس تعليمي على يوتيوب، استفاد منها المئات من الطلاب، كان هذا العمل بمثابة نافذته للتواصل مع العالم.
“لن أتوقف عن العطاء”
رغم كل التحديات، يصر الدكتور فخري على الاستمرار، “العطاء هو سر الحياة، أجد السعادة عندما أقدم خبرتي للآخرين، سواء في الجامعة أو عبر الإنترنت.”
قصته ليست مجرد حكاية عن أستاذ جامعي، بل هي رسالة تلهم كل من يشعر أن الزمن قد فات، الدكتور فخري، الذي وجد في السعي طريقًا لتحقيق الذات، يثبت أن العمر مجرد رقم، وأن الشغف والعمل هما مفتاحا البقاء.