أين اختفى جاريد كوشنر؟ غياب في العلن ونفوذ في الخفاء


محللة أمريكية لـ “مصر تايمز”: كوشنر حاضر في الكواليس وصاحب فكرة التهجير

في عام 2020، كان جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في قلب الأحداث السياسية الكبرى، حيث تولى دورًا محوريًا في صياغة “صفقة القرن” واتفاقات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، ومع نهاية فترة ترامب، اختفى كوشنر فجأة من الساحة السياسية بشكل غريب، ليترك وراءه العديد من الأسئلة حول سر هذا الاختفاء المفاجئ.

بعد أن كان أحد الأسماء الأكثر تأثيرًا في إدارة ترامب، ومع تداعيات الخطة التي عمل عليها لسنوات، اختفى كوشنر عن الأنظار بعد مغادرة البيت الأبيض، لم يعد يظهر في المناسبات العامة، ولا في المؤتمرات الصحفية، ولم تصدر عنه تصريحات تذكر حول قضايا الشرق الأوسط أو أي مسألة سياسية أخرى. كان هذا الاختفاء بمثابة لغز، حيث ارتبطت الفترة التي تلت مغادرته مناصب الحكم بصمت غريب جعل المراقبين يتساءلون: هل كان هذا الاختفاء جزءًا من استراتيجية سياسية مدروسة؟ أم أنه مجرد انسحاب من الأضواء بعد الانتهاء من مهمته؟

هذه الحيرة تثير التساؤلات حول الدور الحقيقي الذي لعبه كوشنر، وهل كانت خططه في الشرق الأوسط مجرد خطوة في لعبة أكبر من ذلك، أم أنه ترك الساحة ليصعد آخرون إلى الواجهة؟ ما هو السر وراء اختفائه، وهل سيكون له عودة غير متوقعة في المستقبل القريب؟.

بعد فوز  الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2024، أعلن جاريد كوشنر، صهر الرئيس،  ومهندس صفقة القرن، والاتفاقات الإبراهيمية ، أنه لن يعود إلى البيت الأبيض مجددا ضمن الإدارة الجديدة. 

وأشار كوشنر، أنه  هو وزوجته إيفانكا ترامب، ليس لديهما خطط لتغيير حياتهما والتركيز على السياسة، حتى لو فاز والد زوجته بسباق البيت الأبيض.

وأضاف كوشنر في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز: “نحن ندعمه (دونالد ترامب) ومن الواضح أننا فخورون به، لكن، كما تعلمون، في كلتا الحالتين، الفوز أو الخسارة، ستستمر حياتنا في المضي قدما”.

فيما يتعلق بمستقبله المهني، ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز في نوفمبر 2024 أن كوشنر قد يقدم المشورة بشأن سياسة الشرق الأوسط، لكنه لن يكون جزءًا من الفريق الرئاسي الجديد.

من ناحية أخرى، اختار الرئيس المنتخب دونالد ترامب والد كوشنر، تشارلز كوشنر، ليكون سفير الولايات المتحدة المقبل لدى فرنسا، وكتب ترامب في منشور على منصة “تروث سوشيال” معلنًا اختياره: “تشارلز كوشنر قائد أعمال هائل، وفاعل خير، وصانع صفقات، وسيكون مدافعًا قويًا عن بلدنا ومصالحه”.

بالتالي، على الرغم من أن جاريد كوشنر لن يكون جزءًا من الإدارة الجديدة، إلا أنه قد يظل يقدم المشورة في مجالات محددة، بينما يركز على حياته الشخصية والمهنية بعيدًا عن السياسة.

ترامب وكوشنر

دوره في اتفاق وقف إطلاق النار

لعب كوشنر دورا هاما و غير معلن في استراتيجيات المنطقة تحديدا في اتفاق وقف إطلاق النار، فهو يمتلك علاقات وثيقة و قوية مع قيادات إسرائيلية، كما ترى فيه تل أبيب شريكا سياسيا  لتحقيق المصالح السياسية والأمنية ، كما قدم كوشنر المساعدة لستيف ويتكوف المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ليفهم طبيعة المنطقة والتعقيدات التي تمر بها بالإضافة إلى صياغة سياساتها، وقد برز ذلك عندما عبر متحدثة الرسمي لرويترز قائلا: “لقد عملت مع ويتكوف لإبلاغه بمبادرات ترامب السابقة في المنطقة”.

وبالرغم من ابتعاده عن  البيت الأبيض، إلا أنه يبدو لصاحب الظل الطويل دورا خفيا خلف الكواليس، فعلى الرغم من انسحابه من تولي دور في الحكومة بشكل رسمي ، فإن أنشطة كوشنر الاستثمارية تبرز مدى التشابك بين المصالح الاقتصادية و ومجريات الأمور في الشرق الأوسط، مما يعزز من عودته ولكن بشكل مختلف .

كشفت صحيفة جلوبز الإسرائيلية أن كوشنر حصل على موافقة الجهات التنظيمية الإسرائيلية قبل ساعات قليلة من الإعلان الرسمي عن اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس و إسرائيل، وأتيح له زيادة حصته بالشركة إلى مايقرب من 10%ليصبح أكبر مساهم فيها.

وفي يناير 2025، وقبيل الإعلان عن الاتفاق وصفقة تبادل الرهائن بين حماس و إسرائيل، ضاعف كوشنر استثماره في شركة “فينيكس المالية”، وهي إحدى أكبر شركات التمويل و التأمين الإسرائيلية، وتأتي  هذه الاستثمارات في ظل استمرار توسع المستوطنات الإسرائيلية بالأراضي الفلسطينية.

صاحب النفوذ القوي

وهناك أولوليات عالقة في الاعتبار، أن كوشنر يمتلك ميزة تفوق غيره من المقربين إلى ترامب، وفي وقت سابق قال جون بولتون مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب الأولى في تصريح له ” لا يوجد أحد يتمتع بحجم النفوذ الذي يتمتع به كوشنر”.

“التهجير” فكرة كوشنر 

إن فكرة ترامب بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة لم تكن وليدة اللحظة، في 8 مارس 2024 خلال ندوة بجامعة “هارفارد، قال جاريد كوشنر أن الواجهة البحرية في قطاع غزة ربما تكون قيمة للغاية، وأضاف “الوضع مؤسف هناك، لكن لو كنت مكان إسرائيل سأبذل قصارى جهدي لنقل الناس وإنهاء الأمور”، مشيرا إلى أن “الحديث عن إقامة دولة فلسطينية سيكون مكافأة لعمل إرهابي”، في إشارة إلى هجوم 7 أكتوبر.

وشدد كوشنر على أن إسرائيل يجب أن تكون أولويتها القصوى هي “نقل المدنيين من رفح، وإقناع مصر بقبول اللاجئين الفلسطينيين عبر الدبلوماسية”، مقترحا نقل سكان غزة إلى صحراء النقب في إسرائيل حتى انتهاء الجيش من عملياته.

وكشفت وكالة رويترز عن مصادر مقربة من كوشنر، أن كوشنر من الممكن أن يشارك في سياسة الشرق الأوسط ولكن بصفة غير رسمية، والهدف الأساسي هو استكمال اتفاقيات أبراهام وتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية جديدة في إطار توسيع عملية السلام في المنطقة.

إن عودة كوشنر إلى البيت الأبيض يراها البعض مستبعدة ، لتفادي تضارب مصالحه المتعلقة باستثمارته الشخصية، إلا أن المقربين منه يرون أن دوره الاستشاري فيما يتعلق بصياغة السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط ستستمر بشكل غير رسمي خلال الولاية الثانية للرئيس الأمريكي.

إييرينا تسوكرمان 

وعلقت إيرينا تسوكرمان محامن الأمن القومي الأمريكي أن جاريد كوشنر المستشار الأول السابق وصهر الرئيس دونالد ترامب، انتقل من دور حكومي رسمي إلى مساعي القطاع الخاص، مع الحفاظ على نفوذ كبير على السياسة في الشرق الأوسط من وراء الكواليس.

يقيم كوشنر في ميامي، ويقود الآن شركة أسهم خاصة، Affinity Partners، والتي نجحت بشكل ملحوظ في تأمين استثمارات كبيرة من كيانات في الشرق الأوسط، بما في ذلك استثمار بقيمة 2 مليار دولار من صندوق الاستثمار العام في المملكة العربية السعودية، وعلى الرغم من ابتعاده عن الواجبات الرسمية، فإنه يواصل تقديم المشورة الاستراتيجية بشأن شؤون الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بمبادرات مثل اتفاقيات إبراهيم.

التأثير على السياسة في الشرق الأوسط

لقد وضعت علاقات كوشنر الدائمة مع كبار القادة الإقليميين في مكانته كشخصية محورية في تشكيل سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط،  لقد لعب دورًا فعالاً في صياغة مقترحات تهدف إلى حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بما في ذلك الخطط المثيرة للجدل لإعادة تطوير غزة، وقد أثارت هذه المقترحات الجدل بسبب آثارها الجيوسياسية والإنسانية الكبيرة. في حين لم يعد جاريد كوشنر يشغل منصبًا حكوميًا رسميًا، فإن دوره الاستشاري المستمر ومشاركاته التجارية تؤكد على نفوذه المستمر في السياسة في الشرق الأوسط ومشاريع التنمية. 

جاريد كوشنر ليس غائبًا – فهو حاضر جدًا ولكنه يعمل خلف الكواليس، في حين أنه لم يعد يشغل منصبًا حكوميًا رسميًا، إلا أنه لا يزال مؤثرًا في شؤون الشرق الأوسط من خلال شركته الخاصة، أفينيتي بارتنرز، وعلاقاته الوثيقة مع كبار القادة الإقليميين.

و تشير مشاركته السابقة في اتفاقيات إبراهيم وعلاقاته التجارية مع المملكة العربية السعودية إلى أنه لا يزال يلعب دورًا في تشكيل المناقشات حول السياسة في الشرق الأوسط، حتى لو كان ذلك بشكل غير رسمي.

يتناقض صمته الاستراتيجي في الأمور العامة مع التقارير التي تشير إلى أنه يقدم المشورة بشأن التطورات الإقليمية، وخاصة فيما يتعلق بغزة والعلاقات بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط. لذا، في حين قد يبدو غائبًا عن دائرة الضوء السياسية، إلا أنه لا يزال يعمل في الخلفية، وهو أول من أقترح فكرة التهجير. 

كانت أكبر مساهمات كوشنر هي  توحيد أي شيء يتعلق باتفاقات إبراهيم في أيدي مجموعة صغيرة من اتصالاته الشخصية، وضمان إدارة تنفيذ أي تمديد لاتفاقيات إبراهيم من قبل أعضاء معتمدين فقط من جمعيات مغلقة، مع ولاءات شخصية لكوشنر، و الدفع نحو اتفاقية العلا، التي وضعت كوشنر في مركز نشاط الفصائل والشركات والجهات الفاعلة الأخرى التي كانت ستستفيد أكثر من تطبيع الرباعية السابقة لمكافحة الإرهاب مع قطر، الاستثمارات الاستراتيجية عبر Affinity Partners

لقد حصلت شركة الأسهم الخاصة التابعة لكوشنر، Affinity Partners، على استثمارات كبيرة من صناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط، بما في ذلك 2 مليار دولار من صندوق الاستثمار العام في المملكة العربية السعودية و1.5 مليار دولار إضافية من هيئة الاستثمار القطرية وشركة Lunate ومقرها أبو ظبي. يتم توجيه هذه الأموال إلى قطاعات مختلفة مثل التكنولوجيا والعقارات والبنية التحتية، مما يعزز العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط.

الدور الاستشاري في السياسة الشرق أوسطية

على الرغم من أنه ليس رسميًا جزءًا من الإدارة الحالية، إلا أن كوشنر يظل شخصية مؤثرة في تشكيل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، فهو يقدم المشورة الاستراتيجية بشأن المبادرات الإقليمية، بما في ذلك اتفاقيات إبراهيم، وكان مشاركًا في المناقشات حول إعادة تطوير غزة، ومن الممكن أن يستفيد ماليًا من تنفيذ اقتراح ترامب، الموازنة بين الأعمال والدبلوماسية

أثار الدور المزدوج لكوشنر كمستثمر خاص ومستشار غير رسمي تساؤلات حول تضارب المصالح المحتمل. وهناك مخاوف من أن حصصه واستثماراته الشخصية قد تؤدي إلى إدخال تأثير غير مبرر على السياسة الخارجية الأمريكية.