في إطار فعاليات البرنامج الثقافي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56، استضاف جناح وزارة الثقافة المصرية ندوة ضمن محور “التراث الحضاري” لمناقشة كتابي “رسائل بلاد التكرور” لجلال الدين السيوطي، بتحقيق الدكتور محمد جمال حامد الشوربجي، ودراسة الدكتور إسماعيل حامد إسماعيل علي، و”مباهج الإخوان ومناهج الخلان في حوادث الدهور والأزمان” للمؤرخ شهاب الدين أحمد بن أحمد بن عبد الرحمن، المعروف بابن العجمي، بتحقيق ودراسة الدكتور محمد جمال حامد الشوربجي.
تأتي هذه الإصدارات ضمن سلسلة “التراث الحضاري” الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
ناقش الندوة الدكتور إسماعيل حامد والدكتور حسام عبدالظاهر، وأدارتها الكاتبة والناقدة سلوى بكر، رئيس تحرير سلسلة التراث الحضاري.
أكدت بكر أن “رسائل بلاد التكرور” تكشف أبعادًا سياسية واقتصادية واجتماعية لأنثروبولوجيا غرب أفريقيا خلال العصور الوسطى، موضحةً أن الرسائل تمثل وثائق تاريخية نادرة تسلط الضوء على عادات وتقاليد سكان تلك المناطق قبل دخولهم الإسلام، بالإضافة إلى علاقاتهم مع مصر وتأثير الحضارة الإسلامية عليهم.
وأشارت إلى أن الاهتمام الأكاديمي المصري بالغرب الأفريقي ظل محدودًا، مقارنةً بشرق القارة، نظرًا لعوامل جغرافية وتاريخية مثل نهر النيل والبحر الأحمر، اللذين كانا شريان التواصل الأساسي بين مصر وأفريقيا الشرقية. لكنها أكدت أن أدبيات العصر الوسيط، ومنها رسائل الإمام السيوطي، تثبت أن العلاقات مع غرب أفريقيا كانت قوية، خاصة بعد دخول شعوب التكرور في الإسلام، وهو ما يفسر تسمية حي “بولاق التكرور” نسبةً إلى التجار والحجاج القادمين من تلك المناطق عبر مصر.
من جانبه، أوضح الدكتور إسماعيل حامد أن الكتاب يوثق تبادل الرسائل العلمية بين علماء مصر وعلماء غرب أفريقيا خلال عصر المماليك، حيث كان حكام وشيوخ التكرور يراسلون الإمام السيوطي طلبًا للفتوى والمشورة. ولفت إلى أن السيوطي، الذي ألّف قرابة 600 كتاب، لم يكن مجرد عالم ديني، بل كان جسرًا للتواصل بين الثقافات، حيث استقبل علماء من التكرور، وترك تراثًا يعكس مستوى التفاعل بين الحضارات.
أما الدكتور حسام عبدالظاهر، فأكد أن هذه الرسائل تسلط الضوء على مدى عمق الروابط العلمية والحضارية بين مصر وأفريقيا جنوب الصحراء، مشيرًا إلى أن العلماء الأفارقة كانوا يرسلون استفساراتهم العلمية إلى علماء مصر، مما يعكس قوة التبادل الفكري بين الجانبين.
أما عن كتاب “مباهج الإخوان ومناهج الخلان في حوادث الدهور والأزمان”، فتحدثت الكاتبة سلوى بكر عن أهميته كمصدر تاريخي يوثق الأحداث السياسية والاجتماعية في مصر من عهد خاير بك الجركسي (923هـ/1517م) حتى عهد الوالي حسين باشا (1045هـ/1636م).
وأوضحت أن الكتاب يتبع أسلوب التأريخ الحولي، حيث يسجل الأحداث عامًا بعد عام، مع التركيز على أحوال الولاة، والنزاعات العسكرية، وتطورات نهر النيل، وحتى تفاصيل الحياة اليومية في القاهرة.
ولفتت إلى أن المؤلف لم يقتصر على تسجيل الأحداث السياسية فقط، بل أولى اهتمامًا خاصًا بالتغيرات الاجتماعية والثقافية، مما يجعله مرجعًا مهمًا لفهم تطور المجتمع المصري خلال العصر العثماني.
في ختام الندوة، أكد المشاركون أهمية هذه الأعمال في إحياء التراث الثقافي والتاريخي، مشددين على ضرورة مواصلة البحث في الوثائق والمخطوطات القديمة التي تساهم في كشف جوانب جديدة من التاريخ المصري والأفريقي. كما دعوا إلى تعزيز الاهتمام بالدراسات الأفريقية وتوسيع نطاق التفاعل الثقافي مع مختلف الحضارات.
تأتي هذه المناقشات ضمن سلسلة من الندوات التي يحتضنها معرض القاهرة الدولي للكتاب، بهدف تسليط الضوء على الدور الحيوي للتراث في تشكيل الهوية الثقافية، وفتح آفاق جديدة للبحث في تاريخ الشعوب وعلاقاتها الممتدة عبر العصور.