سيكون المستخدمون في القطاعين العام والخاص على موعد مع تغييرات جديدة بعد أزيد من أسبوع من الآن، ستهم الزيادة في الحد الأدنى للأجور “السميك” SMIG، وتفعيل التعديلات الجديدة على الضريبة على الدخل. وبناء على مخرجات الاتفاقية الموقعة في 29 أبريل 2024 بشأن الحوار الاجتماعي ستدخل الزيادة الأولى في “السميك” بنسبة 5 في المائة حيز التنفيذ ابتداء من فاتح يناير المقبل، قبل الزيادة الثانية المبرمجة خلال الفترة ذاتها من سنة 2026، إضافة إلى الزيادة المشابهة في الحد الأدنى للأجور بالقطاع الفلاحي “السماك” SMAG (5 في المائة)، التي ستكون ابتداء من فاتح أبريل سنتي 2025 و2026.
وبموجب الزيادة الجديدة في الحد الأدنى للأجور سينتقل مبلغ الأجر الشهري من 3112 درهما حاليا إلى 3267.6 درهما، بعد تفعيل زيادة 5 في المائة (155.66 درهما)، فيما يرتقب أن يستقر الأجر عند 3047 درهما عند اقتطاع مبلغ المساهمة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (220.10 درهما)، علما أن الزيادة المرتقبة تستهدف بشكل رئيسي مواكبة ارتفاع تكلفة المعيشة وتشجيع الاستهلاك الداخلي، فيما يقلل خبراء من تأثيرها على القدرة الشرائية للأجراء، خصوصا في المدن الكبرى حيث فواتير الاستهلاك تظل عالية.
وتم التنصيص في قانون المالية للسنة المقبلة على تخفيض نسبة 50 في المائة من مبلغ الضريبة المستحقة على المعاشات والإيرادات العُمرية المكتسبة سنة 2025، فيما يتوقع أن يصل الأثر المالي المرتقب عن إعفاء المتقاعدين من الضريبة على الدخل إلى مليار و200 مليون درهم، موازاة مع إخضاع الأجور الشهرية للأجراء النشيطين وموظفي القطاعات العمومية لتخفيض ضريبي بعد إقرار القانون المالي مراجعة سعر الضريبة (حسبما نصت عليه المادة 73)، حيث ستكون شريحة الدخول، الأقل من 6000 درهم، معفاة من الضريبة بشكل كامل، وهي الشريحة التي تمثل الأجور في حدود 40 ألف درهم سنويا.
وأقر الإطار المالي الجديد نسبة 10 في المائة لشريحة الدخل من 40.001 إلى 60.000 درهم، و20 في المائة بالنسبة إلى شريحة الدخل من 60.001 إلى 80.000 درهم، فيما سيتم احتساب نسبة 30 في المائة بالنسبة إلى شريحة الدخل من 80.001 إلى 100.000 درهم، و34 في المائة بالنسبة إلى شريحة الدخل من 100.001 إلى 180.000 درهم، فضلا عن 37 في المائة بالنسبة إلى ما فوق ذلك، وفق نص المادة، وبالتالي ستعرف الأجور الصافية للموظفين والأجراء زيادات تتراوح في المتوسط بين 400 و500 درهم حسب نوعية شرائح الدخل والأشطر.
احتواء آثار التضخم
يعد “تعويض القفة” Prime de Panier (40 درهما يوميا)، الذي تم إدخاله إلى بعض القطاعات، إجراء مباشرا لاحتواء آثار التضخم المسجل في المواد الغذائية، سيما في المنتجات الغذائية. ورغم رمزية هذا التعويض، فهو يمثل دعما ماليا إضافيا للمستخدمين في القطاعات ذات الأجور المنخفضة، الذين يتأثرون بشكل أكبر بارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، فيما تتوقع الحكومة نموا اقتصاديا بسنبة 4.6 في المائة، مع تضخم بنحو 2 في المائة خلال 2025، فيما كشف بنك المغرب عن نمو مرتقب في حدود 1 في المائة خلال السنة الجارية، منخفضا من 6.1 في المائة في السنة الماضية، قبل أن يرتفع إلى 2.4 في المائة خلال السنة المقبلة، متجاوزا توقعات قانون المالية الجديد.
وأوضح منير حصيف، خبير محاسب، أن “التدابير التي تم اتخاذها في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والمحلية لمواجهة آثار التضخم على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة في القطاعات ذات الأجور المنخفضة، تحمل أهمية كبيرة. ومن أبرز هذه التدابير تعويض القفة، الذي يستهدف تخفيف التأثيرات السلبية للتضخم على المواد الغذائية، رغم محدودية المبلغ المخصص له (40 درهم يوميا)”، مبرزا أن هذا الإجراء يمثل خطوة هامة لدعم الفئات الأكثر تأثرا بارتفاع الأسعار، مما يعكس التزام الحكومة بتخفيف الأعباء المالية عن الأسر ذات الدخل المحدود. ورغم رمزية المبلغ، يتابع المتحدث ذاته، فإن هذا التعويض سيساهم بشكل مباشر في تعزيز القدرة الشرائية للمستخدمين في القطاعات الأكثر هشاشة، في الوقت الذي يشهد المغرب تضخما متزايدا في السلع الأساسية.
وأضاف حصيف، في تصريح لهسبريس، أنه “رغم التوقعات الاقتصادية المتحفظة، فإن النمو الاقتصادي المتوقع لا يزال يشير إلى هشاشة في التعافي، خاصة في ظل استمرار المخاطر العالمية والمحلية، التي قد تؤثر على القدرة على تجاوز تحديات السوق المحلية. ومن هنا تتضح الحاجة إلى سياسات إضافية تحفز الاستثمار وتدعم القطاعات المنتجة ذات القيمة المضافة العالية لتأمين استدامة النمو الاقتصادي وتخفيف الاعتماد على التدابير النقدية المؤقتة”، لافتا إلى أن “هذا التوجه الحكومي يظهر استعدادا لتحمل تحديات متزايدة في ظل التضخم، لكن نجاح هذه الإجراءات يتطلب تكاملها مع استراتيجيات اقتصادية طويلة الأمد تركز على زيادة الإنتاجية وتحسين مستوى التنافسية في الأسواق المحلية”.
تحفيز بيئة الشغل
حمل القانون المالي الجديد إجراءات لتحفيز بيئة الشغل وتقليص آثار البطالة، من خلال إعفاء الشركات من الضرائب على المكافآت المدفوعة للمتدربين، وعلى الأجور التي يتقاضاها المتدربون الذين يتم توظيفهم بعقد دائم. وتهدف هذه المبادرة إلى تشجيع الشركات على توظيف الشباب الخريجين من خلال تخفيض العبء الضريبي عليها، وتحفيزها على التزام طويل الأجل مع هؤلاء الموظفين الجدد، إضافة إلى الاستثمار في التكوين المهني، خصوصا في القطاعات الاستراتيجية، مثل التكنولوجيا والبيئة، بغية تحسين مهارات القوى العاملة لمواكبة متطلبات سوق العمل، الذي يتسم بالتنافسية المستمرة والتطور التكنولوجي السريع. كما يهدف هذا التركيز على التكوين إلى تعزيز قابلية توظيف الشباب والعمال في مراحل إعادة التأهيل المهني. وفي إطار هذا الإصلاح خططت الحكومة لإحداث 500 منصب شغل تخصص للأشخاص ذوي الإعاقة، وهو جزء من إجمالي 28.906 مناصب مبرمجة في 2025.
وفي تصريح لهسبريس قال عبد الناصر شرايبي، إطار في تدبير الموارد البشرية ومستشار مالي وإداري، إن “الإجراءات التي تضمنها القانون المالي الجديد تشكل خطوة استراتيجية هامة لتحفيز بيئة الشغل وتقليص البطالة في المملكة، من خلال إعفاء الشركات من الضرائب على التعويضات المدفوعة للمتدربين، ومن الأجور التي يتقاضونها عند توظيفهم بعقد دائم، حيث يتم خلق حوافز مباشرة لتوظيف الشباب الخريجين بشكل مستدام”، مؤكدا أن هذه المبادرة ستساعد الشركات على تقليص العبء الضريبي الذي يثقل كاهلها، مما يعزز قدرتها على توفير مناصب شغل مستقرة للشباب. ولفت إلى أن تعزيز التكوين المهني يعتبر أحد العناصر الأساسية في هذا الإصلاح، سيما في القطاعات الاستراتيجية مثل التكنولوجيا والبيئة.
وتابع قائلا: “نحن نشهد تحولا كبيرا في سوق الشغل نتيجة التقدم التكنولوجي السريع، وهذا التركيز على تحسين مهارات القوى العاملة سيمكن الشباب من التكيف مع هذه التغيرات، وبالتالي رفع فرص تشغيلهم”، مشيرا إلى أهمية الجهود المبذولة في مجال الإدماج الاجتماعي، حيث تم تخصيص 500 منصب شغل للأشخاص ذوي الإعاقة. وأبرز أن هذه الخطوة تعكس التزام الحكومة بتعزيز العدالة الاجتماعية وتوسيع فرص الشغل لجميع فئات المجتمع، بما في ذلك الفئات التي غالبا ما استثنيت من سوق الشغل، مضيفا أن “الحكومة تتبنى خطة شاملة لرفع مستوى التشغيل وتحسين القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني. وبالطبع، ستحتاج هذه المبادرات إلى بعض الوقت حتى تحقق نتائج ملموسة، ولكن التوجه العام يبدو واعدا في مسعى لتحفيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص شغل للجميع”.