تواجه الزراعة المغربية تحديات كبيرة في ظل التغيرات المناخية المتسارعة، أبرزها الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، ما يفرض على المزارعين البحث عن حلول مستدامة للحفاظ على إنتاجيتهم.
وبينما تسعى دول مثل الولايات المتحدة إلى ابتكار حلول علمية متقدمة لتحسين المحاصيل الزراعية في ظل هذه الظروف يجد المغرب نفسه أمام قيود قانونية تمنع اعتماد بعض هذه الحلول، لاسيما التعديل الجيني، ما يجعل البحث عن بدائل محلية أكثر توافقاً مع الواقع البيئي والتشريعي المغربي أمراً ضرورياً.
في الولايات المتحدة قام فريق من الباحثين بتطوير نوع جديد من البطاطس المعدلة وراثيًا، قادرة على تحمل الإجهاد الحراري. وأجريت تجارب ميدانية في ولاية إلينوي أظهرت أن هذا النوع الجديد يمكن أن يعزز من إنتاجية البطاطس بنسبة تصل إلى 30 في المائة في ظل درجات الحرارة المرتفعة. إلا أن تطبيق هذه التقنية في المغرب يصطدم بعقبات قانونية، إذ تمنع القوانين المغربية استخدام التعديل الجيني في الزراعة، على غرار ما هو معمول به في الاتحاد الأوروبي.
في هذا الصدد قال كمال أبركاني، أستاذ بالكلية متعددة التخصصات بالناظور، إن “التعديل الجيني محظور في المغرب، حيث لا يُسمح باستخدامه في أي نوع من الزراعات، بما في ذلك البطاطس”.
وأضاف أبركاني، في حديث لهسبريس، أن “الفرز الجيني يمثل بديلاً مناسبًا وأكثر توافقًا مع القوانين المغربية”، موضحا أن “هذه التقنية تعتمد على اختيار الأنواع النباتية الطبيعية التي تتمتع بمقاومة عالية للإجهادات البيئية، مثل الحرارة والجفاف، دون الحاجة إلى تعديل جيني مباشر”، ومشيرا إلى أن “المغرب يشارك في عدة مشاريع بحثية دولية تعتمد على الفرز الجيني لتحسين المحاصيل الزراعية”.
وأورد المتحدث ذاته أن “المغرب يعمل حاليًا على مشروع أوروبي إفريقي يهدف إلى تطوير محاصيل مقاومة للجفاف من خلال الفرز الجيني، ويركز بشكل خاص على زراعة الباذنجان في مختبرات مغربية وتركية وإيطالية، حيث أظهرت التجارب أن هذه النباتات يمكنها تحسين الإنتاجية بشكل كبير رغم نقص المياه بنسبة تصل إلى 50 في المائة”.
ورغم التقدم الذي حققته بعض الدول في مجال التعديل الجيني إلا أن القيود القانونية في المغرب تجعل من الصعب تطبيق هذه التقنية. وأشار أبركاني إلى أن “التعديل الجيني ليس فقط ممنوعًا في المغرب، بل إن القوانين لا تسمح أيضًا باستيراد البذور المعدلة جينيًا”.
من جانب آخر نبّه الخبير في الهندسة الفلاحية إلى “ضرورة التمييز بين نوعين من الإجهادات التي تواجهها النباتات؛ الإجهاد الحراري والإجهاد المائي”، مبرزا أن “الإجهاد الحراري يتعلق بارتفاع درجات الحرارة، بينما يرتبط الإجهاد المائي بنقص المياه”، ولافتا إلى أن “هذين النوعين قد يحدثان في الوقت ذاته ويؤديان إلى تفاقم المشاكل التي تواجه المحاصيل الزراعية، حتى في حال توفر المياه”.
وفسّر المتحدث أن “النباتات في ظل الإجهاد الحراري تتوقف عن امتصاص المياه بشكل صحيح، حتى وإن كانت التربة تحتوي على كميات كافية من الماء، ما يؤدي إلى تراجع في الإنتاجية”، موردا أن “هذا التحدي يطرح إشكالية مضاعفة، لأن المزارعين غالبًا ما يخلطون بين الإجهاد الحراري والإجهاد المائي، وهو ما يجعل من الضروري تطوير تقنيات قادرة على مواجهة كلا التحديين”.