يُعتبر علم خلق الكون من أهم المواضيع التي أثارت اهتمام البشرية عبر العصور،فالحديث عن كيفية خلق الله للكون يُظهر عظمة الخالق وقدرته الفائقة،إن استيعاب آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن خلق السموات والأرض يدعونا إلى تأمل عظمة هذا الخلق والتفكر فيه،في هذا المقال، سنتناول بعمق كيفية خلق الله للكون وفقًا للمصادر الإسلامية، موضحين الآيات القرآنية التي تتطرق لهذا الموضوع، وكذلك الحكمة من خلقه في ستة أيام، لفهم أعمق لمكانتنا في هذا الكون.
كيف خلق الله الكون
خلق الله تعالى الكون ككل شيء يحتويه، بدءًا من أصغر ذرّة وصولاً إلى أكبر المجرّات،عند النظر إلى هذا الكون، نجد تنوعًا هائلاً في مظاهر الحياة والأفلاك، مما يجعلنا نتأمل في عظمة الخلق،وقد قدم بعض العلماء غير المسلمين تفسيرات بديلة لهذا الكون، مثل نظرية الانفجار العظيم، ومع ذلك، فإن هذه النظريات تفتقر إلى الأدلة القطعية التي تؤكد أصل الكون،وفي هذا السياق، يؤكد القرآن الكريم على أن كل ما في الكون هو من خلق الله، حيث قال سبحانه وتعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [العنكبوت:19].
يجدر بالذكر أن الله سبحانه وتعالى قد أمر البشر بالنظر والتأمل في مظاهر الكون الذي خلقه، سواء كان من بحار أو جبال أو مخلوقات حية مختلفة،هذه الآيات تدعو المكلفين إلى العلم والفهم، حيث جاء في قوله تعالى {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} [الأعراف:54].
بعض الآيات القرآنية عن خلق الكون
هناك العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تشير إلى القدرة الإلهية في خلق الكون،إن القرآن الكريم يحتوي على أدلة واضحة تبين كيفية قدرة الله تعالى على خلق السموات والأرض وما بينهما بتوازن وإبداع،ومن الآيات التي تجسد هذه الحقيقة ما يلي
- قال الله تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38]،توضح هذه الآية عظمة القدرة الإلهية حيث أن الله لم يواجه أي تعب أو مشقة أثناء خلقه.
- وفي قوله سبحانه {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ*وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ*ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:9-10-11]،هنا يؤكد الله على قوة خلقه وقدرته العظيمة.
- أما الآية التي تنص {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [هود:7]،فهي تبرز الحاجة إلى التروّي والتأمل في كيفية الخلق.
- ويقول سبحانه {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47]،وتظهر هذه الآية العظيمة قدرة الله على توسيع السماء ومراقبة الكون بعين الحكمة.
- وأيضًا قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء:30]،تأمل عميق في كيفية انفصال السموات عن الأرض وتشكلهما بصورة مدهشة.
- قوله جل وعلا {فَقَضَىٰهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت:12]،تشير إلى إتمام خلق السموات والأرض بحكمة وعناية.
لماذا خلق الله الكون في ستة أيام
إن الله تعالى قادر على خلق كل شيء بكلمةٍ، كما ورد في قوله {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شيئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]،ورغم ذلك، خلق الكون في ستة أيام بدلاً من لحظة واحدة لحكمة عظيمة،ومن هذه الحكم
- لتعليم البشر أهمية النظام والتأنّي في كل ما يتعلق بحياتهم، حتى لا ينجرفوا وراء العجلة.
- للتأكيد على ضرورة التأمل والتفكر في مجريات الأمور والسير وفق أسس عقلانية.
- إن خلق الله الكون في ستة أيام كان أيضًا بمثابة اختبار للناس حول إخلاصهم في عملهم، كما جاء في قوله {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود:7].
كيف قسمت الأيام عند خلق الكون
كما جاء في الآيات القرآنية، فإن الله خلق الكون في ستة أيام بحيث تتوزع الأعمال كالتالي
- في البداية، خلق الله تعالى الأرض في يومين، مصرحًا بذلك بقوله {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت:9]،ولكنها لم تكن جاهزة للحياة فيها، فقدر الله أقواتها في يومين آخرين.
- ثم استوى الله على السماء بعد أن كانت دخان، وقد جاء في قوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ…} [فصلت:11].
- بعد ذلك، قسم الله السموات إلى سبع سموات، وقد جاء بيان هذه الحقيقة في قوله {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان:59].
- هناك أيضًا ما أكده العلماء الفيزيائيون حول تكوّن الغازات التي أدت إلى توسع السماء، وهو ما ذُكر في قوله تعالى {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47].
الفرق بين الكون والسماء
إن الفهم الدقيق لمعنى الكون والسماء يتطلب منا التأمل في النصوص القرآنية وتفسيرها،فالكون الذي نراه يتضمن كل ما خلقه الله من سموات وأرض ومخلوقات،لكن السماء تعني البعد العلوي الذي يتجاوز حدود الأرض، وهي نظام عظيم من الأفلاك والكواكب،يتيح لنا القرآن الكريم فهم هذه الأبعاد بوضوح ودون أي نقص، كما أنه يصف السماء بالألفاظ التي تُوضح مكانتها.
لقد أشار العلماء إلى أن الكون بعد الانفجار العظيم قد نشأ كشكل من أشكال الغاز، حيث تلا ذلك تكون سحابة ضخمة،وتمثل هذه السحابة مراحل مختلفة من التطور الكوني، حيث يُمكن تشبيه الذبذبات الناتجة عنها بصوت طفل يرضع،ولهذا تتماشى هذه الاكتشافات مع الآيات القرآنية التي تشير إلى الدخان والسموات.
في ختام هذا المقال، يمكن القول إننا قد تناولنا كيف خلق الله الكون من خلال استعراض آيات القرآن الكريم التي تتعلق بهذا الموضوع،كما تناولنا تقسيم الأيام عند خلق الكون والفهم العملي لذلك من منظور إسلامي،إن هذه الحقائق تعزز من إيماننا بعظمة الخالق وتجعلنا نتأمل في دورنا وواجباتنا تجاه هذا الكون الذي نعيش فيه.