تُعتبر الذكريات جزءًا أساسيًا من تجربة الإنسان، وتلعب دورًا مهمًا في تشكيل مشاعرنا وطريقة استجابتنا للأحداث،رغم أن العديد من الناس يتمكنون من تجاوز فترات الألم والمواقف الصعبة بسرعة، إلا أن بعضهم يقبع تحت وطأة الذكريات المؤلمة لفترات طويلة، مما يثير التساؤلات حول الأسباب وراء ذلك،كيف تنشأ هذه الذكريات المؤلمة ولماذا تظل عالقة في أذهاننا حتى بعد مرور الوقت سيتم في هذا المقال تناول الأسباب التي تجعل الذكريات المؤلمة تلازمنا، وكذلك سبل التغلب عليها بفعالية.
لماذا تصاحبنا الذكريات المؤلمة لزمن طويل
يعتقد الكثيرون أن الذكريات المؤلمة تظل محفورة في الذاكرة للأبد، ودائمًا ما تؤثر على حياة الشخص،ولكن الحقيقة الأكثر دقة هي أنها قد تتلاشى بمرور الوقت، وتبدأ في الاندثار عندما تنتج عنها تجارب إيجابية،فعلى سبيل المثال، تعاني الأم من ألم المخاض، وهي تجربة مؤلمة بلا شك، لكن لحظة ولادة طفلها بصحة جيدة تُحول هذه الذكرى إلى واحدة سعيدة، مما يُخفف وطأة الألم.
بعض التجارب المؤلمة قد تصبح درعًا يحمي الشخص من تكرار الأخطاء، كمن يشعر بألم جرحٍ بسبب فتح علبة معدنية، مما يجعله أكثر حذرًا عند القيام بنفس الفعل مرة أخرى،لذا، من المهم أن نفهم كيف تغير الذكريات المؤلمة شكل استجابتنا للأحداث المستقبلية.
لا بد من الإشارة إلى أن الكيفية التي يسترجع بها الإنسان الذكريات ليست بسيطة، فهي ليست مجرد فيديو يتم تشغيله في الذهن، بل تتأثر بطريقة تذكرنا ونتائج أحداث الماضي،التشبث بالذكريات المؤلمة قد يكون له فوائد، لأنه يُحفز الوعي ويجعل الشخص أكثر حذرًا أمام تجارب مماثلة لتحقيق البقاء.
في بعض الأحيان، فإن مشاعر الألم ليست سلبية تمامًا، بل قد تكون إحدى طرق الحماية الطبيعية من تكرار التجارب السلبية،ولكن مع ذلك، لا بد من معرفة كيفية عدم فقدان التوازن بسبب تلك الذكريات.
يميل الإنسان عمومًا إلى التركيز على السلبيات بدلًا من الإيجابيات للمشاعر، وهذا يعود لعدة أسباب تتعلق بالطبيعة البشرية.
1- غريزة البقاء
تُعتبر غريزة البقاء من الجوانب الأساسية للتطور البشري، إذ يميل الأشخاص إلى التركيز على ملاحظات تهديدات معينة مثل الخطر المحتمل من حيوان مفترس، مما يجعلهم أكثر هشاشة تجاه المواقف السلبية مقارنةً بتقدير الأمور الإيجابية.
2- نشاط مناطق أكثر عمقًا بالدماغ
الألم والإجهاد الذي نشعر به خلال أحداث مؤلمة تنشط مناطق أعمق في الدماغ، مما يسهل عملية ترسيخ الذكريات المؤلمة بشكل أقوى، خصوصًا عندما تجري أحداث ضاغطة تؤثر بشكل قوي على العواطف.
3- محرك الذاكرة
الوضع الجسدي المرتبط بالشعور بالألم يمكن أن يساهم في تقوية الروابط بين الخلايا العصبية، وهو ما يُعرف بمحرك الذاكرة، الذي يجعل الشخص يتذكر أحد المواقف المؤلمة بشكل أكثر وضوحًا.
4- إفراز الأدرينالين
تساعد الهرمونات، وخاصةً الأدرينالين، التي تُفرز في حالات الخوف أو التوتر في تعزيز الذاكرة وترك تأثير قوي على تجربة ما، مما يؤدي إلى تذكُّر التفاصيل بدقة أكبر.
5- إعادة بناء الذكريات بشكل مختلف
تظهر أبحاث علم النفس أن الذكريات تُعاد صياغتها بطرق مختلفة عند تذكرها، مما يمثل إضافة جديدة إلى تجربة الشخص، ويكون له تأثير على شعوره حيال تلك الذكريات بعد مرور الوقت.
6- تعليق المواقف المؤلمة دون حلها
عدم معالجة المواقف السلبية يجعلها عالقة في الذهن لفترة أطول، حيث يمكن أن تتداخل تلك الذكريات مع تجارب جديدة وتؤثر سلبًا على الصحة النفسية.
7- الاستسلام للأفكار السلبية
فقدان الأمل والاستسلام لفكرة العيش مع الألم وعدم تغييره يؤثر على الصحة العقلية ويجعل الشخص عرضه لمزيد من الصعوبات النفسية.
نصائح لتفادي ترسيخ الذكريات المؤلمة لزمن طويل
- استشارة مختص نفسي يمكن أن يكون مفيدًا لتفريغ المشاعر السلبية وتعامل مع التجارب المحبطة.
- كتابة اليوميات تُساعد في تنظيم الأفكار ومشاعر المُعانات، مما يسهل مواجهة الأمور بشكل أكثر إيجابية.
- عدم الاستسلام للأفكار السلبية والسعي إلى تجديد الحياة يُعتبر مهمًا لتخطي الماضي المؤلم.
- محبة الذات يمكن أن تعزز من قدرة الشخص على مواجهة التحديات، وتحويل الذكريات إلى دافع.
- التركيز على أهداف الحياة وتحقيق الإنجازات بعيدًا عن أثر المشاعر السلبية.
- استثمار أوقات الفراغ في أنشطة تُعزّز الإيجابية بدلاً من التفكير السلبي.
- ممارسة الهوايات والاهتمامات الإيجابية تعزز من الراحة النفسية وتُبعد الشخص عن ذكرياته المؤلمة.
- الإيمان بتجاوز المصاعب يُعتبر ضروريًا لتعزيز قدرة الفرد على التعافي.
- تعزيز الثقة بالنفس والاعتماد على القدرات الداخلية لتخطي الأوقات العصيبة يزيد من القدرة على التأقلم.
يمكن القول إن السؤال حول لماذا تصحبنا الذكريات المؤلمة لفترات طويلة هو تساؤل يطرحه الكثيرون، وخاصة الذين يشعرون بأن تلك الذكريات تقيدهم،البحث عن طرق فعالة للتعامل مع هذه المشاعر والعمل على تجاوزها قد يكون الخطوة الأولى نحو التعافي النفسي.