قصة تحول “بلبن” من مشروع استثماري ناجح إلى بؤرة غذائية مميتة في مصر

في واحدة من أقوى الأزمات التي ضربت قطاع الأغذية والحلويات في مصر خلال السنوات الأخيرة، وجدت سلسلة “بلبن” نفسها في قلب عاصفة تنظيمية وقانونية، بعدما تحولت من اسم يُشار إليه في الأسواق المحلية والعربية كقصة نجاح مصرية، إلى ملف شائك على مكاتب الجهات الرقابية.

 

شكاوى تسمم وحملات تفتيش

الأزمة بدأت حينما رُصدت حالات تسمم غذائي بين عدد من المواطنين، أعقبها تدفق شكاوى متكررة حول منتجات غذائية يشتبه في عدم صلاحيتها.

الهيئة القومية لسلامة الغذاء تحركت بسرعة، وأطلقت حملات موسعة شملت أكثر من 47 منشأة وفروع لسلاسل شهيرة، من ضمنها “بلبن”، “كرم الشام”، “وهمي”، و”كنافة وبسبوسة”، وذلك في عدة محافظات مصرية.

وجاءت نتائج التحاليل التي أجرتها الجهات المعنية صادمة، حيث أظهرت وجود بكتيريا ممرضة في منتجات جاهزة للتداول، استخدام ألوان غذائية محظورة دولياً، وتخزين غير مطابق للمواصفات أدى إلى فساد واسع في مكونات الحلويات.

 

غلق ومصادرة وتحذير رسمي

لم تكتف الهيئة القومية لسلامة الغذاء بإصدار توصيات، بل نفذت إجراءات ميدانية صارمة تمثلت في:

  • الإغلاق المؤقت لجميع فروع “بلبن” والمصانع التابعة لها.
  • مصادرة كميات كبيرة من المنتجات الغذائية.
  • إعدام المنتجات غير الصالحة للاستهلاك الآدمي.
  • توجيه إنذارات قانونية للمنشآت المخالفة.

وتم التأكيد من أن الرقابة مستمرة بشكل مكثف، وأن أي محاولات للمراوغة ستواجه بالحسم القانوني، مع دعوة المواطنين إلى الإبلاغ عن أي مخالفات غذائية فوراً.

 

رد الشركة.. من نجاح إقليمي إلى استغاثة وطنية

على الجانب الآخر، ردت شركة “بلبن” في بيان مطول وصريح وُجّه مباشرة إلى رئيس الجمهورية، تضمن استغاثة عاجلة لإنقاذ ما وصفته بـ”مشروع استثماري وطني ناجح” يضم 25 ألف موظف ويمتد إلى 9 دول عربية.

الشركة أكدت في بيانها أن جميع فروعها داخل مصر أُغلقت بالكامل، ما أدى إلى توقف تام في العمليات التشغيلية، بما في ذلك التأثير على سلاسل التوريد والشركاء والموردين.

“بلبن” لم تُنكر وجود ملاحظات تنظيمية أو رقابية، بل طالبت بـ”مهلة لتصحيح الأوضاع”، وأبدت استعدادها الكامل للخضوع لأي مراجعة قانونية أو رقابية، مشترطة فقط أن يتم السماح لها بالاستمرار لحين تسوية الأزمة.

 

صدام الثقة

تكشف هذه الأزمة عن صراع غير مباشر بين الحفاظ على الصحة العامة من جهة، وحماية بيئة الاستثمار من جهة أخرى.

ففي الوقت الذي تتحرك فيه الدولة لحماية المواطنين من مخاطر صحية مؤكدة، تجد نفسها أمام كيان استثماري يدعي أن الإجراءات تهدد آلاف الأسر.

 

تداعيات أوسع ما بعد “بلبن”؟

تأثير الأزمة لن يتوقف عند حدود الشركة وحدها، بل يمتد إلى ثقة المستهلك في قطاع الأغذية بأكمله، وخاصة فيما يتعلق بالحلويات الجاهزة. كذلك، ستكون هذه الواقعة مرجعاً حاسماً في ملفات التفتيش الغذائي المستقبلية، وربما بداية موجة من التشديدات الرقابية تشمل سلاسل أخرى.

 

معركة على الطاولة

“بلبن” اليوم تقف بين مطرقة الغلق وسندان البقاء. بين قرارات رسمية تلوّح بتهديد الصحة العامة، وبيان استغاثة يُلقي الضوء على آلاف الأسر المعتمدة على هذا الكيان.

ومهما تكن النتيجة، فإن هذه الأزمة تمثل درسًا قاسيًا لكل من يحاول الجمع بين النجاح السريع وتجاوز معايير الجودة والسلامة. فالصحة العامة ليست خياراً، بل خط أحمر لا يُمكِن تجاوزه.