الطائرة اللبنانية التي اختفت عن الرادار وحقائب دولارات.. رويترز تكشف عملية هروب الأسد

كشف تحقيق أجرته وكالة رويترز للأنباء كيف استطاع الرئيس السوري السابق بشار الأسد   خلال الـ48 ساعة التي سبقت انهيار نظامه، تهريب مئات الآلاف من الدولارات نقداً ولوحات فنية وأجهزة كمبيوتر محمولة تحتوي على معلومات حساسة عن شركاته الوهمية. 

 

لم يكن بشار الأسد ، الذي حكم سوريا بقبضة من حديد لمدة 24 عاماً، منشغلاً فقط بمحاولة يائسة وفاشلة لإنقاذ نظامه، بل إنه بذل أيضاً جهوداً مضنية لتهريب أمواله وأصوله ووثائقه السرية، التي رسمت خريطة شبكة الأعمال السرية وراء ثروته الهائلة.

 

واستأجر ياسر إبراهيم، المستشار الاقتصادي البارز للأسد، طائرة خاصة للعملية، وهو ما كشف عنه اليوم، الخميس تحقيق لوكالة رويترز للأنباء، وهو تحقيق استند إلى محادثات مع عدد من المصادر، من بينهم 14 مسؤولاً سورياً، حيث كانت الطائرة التي استقلها  من طراز إمبراير ليجاسي 600 ذات 13 مقعداً، قد قامت بأربع رحلات من سوريا إلى الإمارات العربية المتحدة خلال الـ48 ساعة الأخيرة من وجود النظام، في ديسمبر من العام الماضي.

 

وكان إبراهيم، الرجل الذي يقف وراء الجسر الجوي لأصول الأسد، شخصية رئيسية في إنشاء شبكة من الكيانات التجارية، وكثير منها شركات وهمية، والتي سمحت للديكتاتور السوري بالسيطرة على أجزاء كبيرة من اقتصاد بلاده، وبحسب بيانات تتبع الرحلات الجوية، قامت الطائرة بثلاث رحلات ذهاباً وإياباً إلى مطار دمشق. وفي الثامن من ديسمبر، يوم سقوط النظام ،  انطلقت رحلة رابعة من قاعدة حميميم الروسية قرب اللاذقية، وهي نفس القاعدة التي انطلق منها الأسد في وقت لاحق من ذلك اليوم، في رحلة أخرى، إلى روسيا التي منحته اللجوء السياسي.

وقال ضابط سابق في الاستخبارات العسكرية لنظام الأسد لرويترز إن الطائرة لم تكن محملة بحقائب غير مميزة تحتوي على مبالغ كبيرة من المال فحسب، بل كانت محملة أيضا بوثائق وأجهزة كمبيوتر محمولة وأقراص صلبة تحتوي على معلومات عن “المجموعة”، وهو الاسم الرمزي للأسد ورجاله لشبكة أعمال الديكتاتور التي شملت شركات الاتصالات والبنوك والعقارات والطاقة.

قال مسؤول كبير في النظام السوري الجديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع  لوكالة رويترز إنهم عازمون على استعادة السيطرة على الأموال العامة التي تم تهريبها إلى الخارج أثناء انهيار نظام الأسد، وقال المسؤول إن إعادة الأصول ستساعد في تخفيف العبء على الاقتصاد السوري، الذي يحاول الآن التعافي من سنوات من العقوبات ونقص حاد في العملات الأجنبية.

 

وبحسب التحقيق، بدأت عملية الطلعات الجوية في 6 ديسمبر، عندما كان المتمردون الجهاديون التابعون للجولاني، من تنظيم هيئة تحرير الشام، في طريقهم إلى دمشق. وعندما هبطت الطائرة الخاصة في مطار المدينة الدولي، وصلت مجموعة مكونة من 12 عنصراً من وحدة استخبارات القوات الجوية السورية  وهي جهاز مركزي في جهاز القمع السياسي لنظام الأسد، إلى المطار بزي مموه لحراسة منطقة كبار الشخصيات والطرق المؤدية إلى المكان.

 

ووصلت إلى هناك أيضاً سيارات من الحرس الرئاسي، الوحدة المسؤولة عن أمن الأسد، في مركبات مدنية ذات نوافذ معتمة، وقال مسؤول سابق في الحرس الرئاسي لرويترز إن تورط هذه الوحدة في حد ذاته يشير إلى أن “الأسد أعطى الأمر” بعملية التهريب. 

 

وأبلغ مدير أمن المطار، الجنرال غدير علي، طاقم الطائرة أن أفراد الاستخبارات العسكرية سيكونون مسؤولين عن التعامل مع الطائرة، وقال لهم “أنتم لم تروا هذه الطائرة”، بحسب التحقيق، وتشير رويترز إلى أن  غديرعلي كان يتلقى تعليماته مباشرة من القصر الرئاسي في دمشق.

 

وكانت وجهة الطائرة مطار الباطن في أبوظبي، وهو مطار مخصص لرجال الأعمال وكبار الشخصيات، ويتمتع بقواعد صارمة للخصوصية، وقال مصدرلوكالة  رويترز إنه في كل مرة تهبط فيها طائرة في المطار، “كانت السيارات تقترب من الطائرة وتبقى لفترة قصيرة ثم تغادر، قبل إقلاع الطائرة مرة أخرى”.

 

 وانطلقت الرحلتان الأوليتان من دمشق في السادس من ديسمبر، ووفقاً لمصدر استخباراتي سابق، فقد صعد على متنهما عدد من أعضاء الفريق الرئاسي وأقارب الأسد وبحسب المصدر، فقد تم تهريب لوحات ومنحوتات صغيرة أيضًا على متن الرحلة الثانية.

اختفى من الرادار وعاد للبث بعد 6 ساعات

وفي السابع من ديسمبر، عادت الطائرة إلى دمشق عند الساعة الرابعة عصراً، وبعد ساعة أقلعت مرة أخرى إلى أبو ظبي، وهذه المرة محملة بحقائب مليئة بالنقود والأقراص الصلبة وغيرها من الأجهزة الإلكترونية التي تحتوي على معلومات حول شبكة أعمال الأسد. 

وقال مسؤول الاستخبارات السابق وشخص آخر متورط في أنشطة الشبكة إن المعلومات تضمنت بيانات مختلفة عن أنشطتها، مثل السجلات التجارية لشركات وهمية في الخارج ومحاضر الاجتماعات. 

وقال ضابط الاستخبارات السابق إنه قبل الرحلة الثالثة، وصلت سيارات تابعة لسفارة الإمارات في دمشق إلى منطقة كبار الشخصيات في المطار.

وفي الساعات الأولى من صباح الثامن من ديسمبر، كان المتمردون قد وصلوا بالفعل إلى دمشق، واضطر الأسد إلى الفرار إلى معقل العلويين في اللاذقية، في المنطقة الساحلية غربي سوريا. 

وتوقفت الحركة في مطار دمشق بالطبع، وتوقفت الطائرة الخاصة التي أقلعت بعد منتصف الليل بقليل من أبو ظبي باتجاه سوريا عن إرسال بياناتها لمدة ست ساعات أثناء تحليقها فوق مدينة حمص (شمال دمشق)، وبحسب بيانات موقع تتبع الرحلات الجوية Flightradar24، ظهرت الطائرة عندما استأنفت البث، فوق حمص، وكانت بالفعل في طريق العودة إلى أبو ظبي.

و بحسب ضابط الاستخبارات السابق، فإن الطائرة خلال الفترة التي اختفت فيها عن الرادار، هبطت في قاعدة حميميم في اللاذقية، ولدعم هذا الادعاء، أشارت رويترز إلى أنه تم تسجيل طائرة مماثلة في الساعة 09:11 في صور الأقمار الصناعية، أثناء وجودها على المدرج في القاعدة الروسية.

 وزعم التحقيق أن الطائرة التي أقلعت من حميميم في رحلتها الرابعة إلى أبو ظبي كانت تقل أحمد خليل خليل، وهو أحد المقربين من ياسر إبراهيم، المستشار الاقتصادي للأسد الذي نظم عملية التهريب.

 

وفيما يتعلق بالطائرة الخاصة المستخدمة في العملية، أفادت رويترز عن صلة لبنانية: وفقاً للتحقيق، تم استئجار الطائرة باستخدام طريقة “التأجير الجاف” – حيث تم تقديمها لنظام الأسد من دون طاقم للطيران بها أو صيانتها، واستأجر إبراهيم الطائرة من رجل أعمال لبناني يدعى محمد وهبة، ومن محادثات واتساب بين شركاء إبراهيم في العمل، حصلت عليها رويترز، وُصفت الطائرة بأنها “الطائرة اللبنانية”، وفي الأشهر التي سبقت انهيار النظام، أظهرت بيانات تتبع الرحلات الجوية أن الطائرة، التي كانت مسجلة باسم شركة في غامبيا، كانت متجهة أيضاً إلى روسيا.