في ليالي رمضان الساحرة، حيث تتزين الشوارع بالفوانيس وتفوح رائحة الياسمين، يطل علينا مشهد فريد من نوعه في قرية صغيرة تابعة لمركز الزقازيق محافظة الشرقية. “العم عثمان محمد”، الرجل السبعيني ذو الوجه البشوش، يمتطي حماره الأصيل، وبيده طبلة كبيرة تدق بإيقاع منتظم، ليوقظ الصائمين لتناول وجبة السحور. “أبو نابت”، كما يلقبه أهالي القرية، ليس مجرد مسحراتي عادي، بل هو أول مسحراتي في المنطقة يختار الحمار ليكون رفيقه في جولاته الليلية.
### بداية قصة العم عثمان
بعد أن بلغ من العمر عتيًا، لم تعد قدماه تقويان على المشي لمسافات طويلة، خاصة في ليالي الشتاء القارسة. يقول العم عثمان بصوت يملؤه الفخر: “المسحراتي من أطول الناس أعناقًا”، وذكر أنه لا يعمل من أجل المال، بل ابتغاء مرضاة الله ومحبة الناس. وأشار إلى أنه ورث المهنة عن أجداده، الذين كانوا يستخدمون الطبول في الأفراح والجنازات، ولكنه أضاف إليها لمسة خاصة، حيث أصبح يجوب الشوارع على ظهر حماره، لينشر البهجة في قلوب الصغار والكبار.
### رحلة رمضانية مميزة
تبدأ رحلة العم عثمان في الحادية عشرة مساءً، وتستمر حتى الثالثة فجرًا، حيث يجوب شوارع القرية، مرددًا الأغاني التراثية التي يحفظها عن ظهر قلب. ويشاركه الأطفال فرحة رمضان، يجوبون معه الشوارع مرددين أغنيات التراث. ورغم المشقة والتعب، لا يتوانى العم عثمان عن أداء مهمته، فهو يرى فيها رسالة سامية، ويستمد قوته من إيمانه وحب الناس له. وفي نهاية كل ليلة، يعود إلى بيته، ليشارك أسرته وجبة السحور، قبل أن يخلد إلى النوم، منتظرًا ليلة رمضانية أخرى يملؤها بالبهجة والخير.
### التحديات والأجر الرباني
يعتمد العم عثمان في كسب رزقه على العمل في الحقول أو الحصول على أجر يومي، لكن ما يضفي على حياته بهجة خاصة هو رؤية الأطفال يشاركونه جولاته الليلية، مرددين الأغاني التراثية التي تملأ شوارع القرية. ورغم ما يواجهه من صعوبات، خاصة في ليالي الشتاء القارسة، حيث البرد الشديد والأمطار التي تعيق حركته، إلا أنه يتغلب على هذه التحديات بالإيمان والصبر، منتظرًا الأجر والثواب من الله. قصة العم عثمان تظل مثالًا للإصرار والعطاء، وتذكرنا بجمال التقاليد وقوة الأصالة في مجتمعنا.