في زاوية مظلمة من منزلها المتواضع، تجلس أم السعد، تحاول استجماع شتات نفسها بعد الكارثة التي قلبت حياتها رأسًا على عقب، لا تزال آثار الصدمة تلاحقها، وألم الجسد لا يقل قسوة عن وجع الفقدان.
قبل أيام، كانت تعمل في مصنع الشكاير بمحافظة الغربية، تسابق الزمن لسداد القرض الذي أخذته لعلاج ابنها المريض، وهي المعيلة الوحيدة لأسرتها بعد أن أقعد المرض زوجها، لم تكن تعلم أن لحظة واحدة ستغير كل شيء، لتجد نفسها بين الأنقاض، تكافح للنجاة في مشهد لم يكن يخطر لها ببال.
تحكي أم السعد عن تلك اللحظات بصوت مرتجف ودموع لم تجف بعد:”كنت واقفة في شغلي عادي، فجأة الدنيا اسودت، المطر وقع علينا، مشيت خطوتين وفجأة حسيت بحاجة شدتني ورمتني بعيد، وقعت فوق زميلتي بثينة، لما فوقت، كنت بقولها: شديني، قومي يا أم حمدي.. لكنها ما ردتش.. ماتت قدامي، وأنا مش قادرة أصدق إنها راحت.”
تحاول التعايش مع الصدمة، لكن الكوابيس لا تفارقها، وعينها التي تضررت في الحادث لم تعد ترى بوضوح، وذراعها لا تقوى على الحركة، صداع دائم يعصف برأسها، وقلبها لا يهدأ من هول ما رأته.
بصوت يملؤه الانكسار، تضيف: “بقالي يومين مش بنام، كل ما أقفل عيني أشوف المطر بينزل، وأشوف بثينة تحتي ومش قادرة أساعدها.. المشهد بيطاردني في كل لحظة.”
لم تعد قادرة على العمل، والمستقبل يبدو ضبابيًا أكثر من أي وقت مضى، كيف ستسدد القرض؟ كيف ستعيل أسرتها؟ تساؤلات تؤرقها، ولا تجد لها إجابة: “أنا اللي كنت شايلة الكل، دلوقتي مين هيشيلني؟”
ليست أم السعد وحدها من تبدلت حياتها بين ليلة وضحاها، فالحادثة تركت جروحًا عميقة في قلوب الكثيرين، فبين من فقدوا أحباءهم ومن أصيبوا بعجز دائم، تحولت تلك الليلة إلى كابوس ممتد، لا أحد يعلم متى سينتهي.